إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 24 مارس 2016

"موعظة القبر"

"موعظة القبر"
الحمد لله رب العالمين...
كان أبو بكر الصديق يقول في خطبته: أين الوضاءة الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم، الذين كانوا لا يعطون الغلبة في مواطن الحرب، أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان، قد تضعضع بهم وصاروا في ظلمات القبور، الوحا الوحا النجا النجا.
 وعن الحسن أنه مر به شاب وعليه بردة له حسنة فقال: ابن آدم معجب بشبابه، معجب بجماله، كأن القبر قد وارى بدنك، وكأنك لاقيت عملك، ويحك ذا وقلبك، فإن حاجة الله إلى عبادة صلاح قلوبهم.
 وعن عبد الله بن العيزار قال: لابن آدم بيتان: بيت على ظهر الأرض وبيت في بطن الأرض، فعمد للذي على ظهر الأرض فزخرفه وزينه وجعل فيه أبوابًا للشمال وأبوابًا للجنوب، وصنع فيه ما يصلحه لشتائه وصيفه. ثم عمد إلى الذي في بطن الأرض فأخربه.
 فأتى عليه آت فقال: أرأيت هذا الذي أراك قد أصلحته كم تقيم فيه؟ قال: لا أدري. قال: فالذي قد أخربته كم تقيم فيه؟ قال: فيه مقامي. قال: تقر بهذا على نفسك وأنت رجل يعقل؟!
 وعن الحسن قال: يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهن قط:
 ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبله، وليلة صبيحتها يوم القيامة. ويوم يأتيك البشير من الله تعالى إما بالجنة أو النار، ويوم تعطى كتابك إما بيمنك وإما بشمالك.
 وعن عمر بن ذر أنه كان يقول في مواعظه: لو علم أهل العافية ما تضمنته القبور من الأجساد البالية لجدّوا واجتهدوا في أيامهم الخالية خوفًا من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.
 وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: القبر منزل بين الدنيا والآخرة، فمن نزله بزاد وارتحل به إلى الآخرة، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
 وعن الحسن قال: أُوذَنوا بالرحيل وجلس أولهم على آخرهم وهم يلعبون.
 وقال رجل لبعض السلف: أوصني، فقال: عسكر الموتى ينتظرونك.
 وكان أبو عمران الجوني يقول: لا يغرنكم من ربكم طول النسيئة وحسن الطلب، فإن أخذه أليم شديد، حتى تبقى وجوهُ أولياءِ الله بين أطباق التراب، إنما هم محبوسون لبقية آجالهم حتى يبعثهم الله إلى جنته وثوابه.
وشهد الحسن جنازة فاجتمع عليه الناس فقال: اعملوا لمثل هذا اليوم - رحمكم الله - فإنما هم إخوانكم يَقدمونكم وأنتم بالأثر.
 أيها المخلف بعد أخيه: إنك الميت غدًا والباقي بعد والموتى في أثرك أولًا بأول حتى توافوا جميعًا، قد عمكم الموت واستويتم جميعًا في كُرَبِهِ وغُصصه، ثم تخليتم إلى القبور، ثم تنشرون جميعًا، ثم تعرضون على ربكم عز وجل.
 وقال صفوان بن عمرو: ذَكَروا النعيم فسَمّوا أناسا فقال: أنعمُ الناس أجسادًا في التراب هو من قد مات وبقي ينتظر الثواب.
 وقال مسروق: ما من بيت خيرٍ للمؤمن من لحدِه قد استراح من أمر الدنيا ومن عذاب الله.
 وقال بشر بن الحارث: نعم المنزل القبر لمن أطاع الله.
 وقال الفضل بن غسان: مر رجل بقبر محفور فقال: المقيلُ للمؤمن هذا.
 ونظر إلى قبر فقال: أصبح هؤلاء زاهدين فيما نحن فيه راغبون.
 وعن عقبة البزار قال: رأى أعرابي جنازة فأقبل يقول: هنيئًا يا صاحبها. فقلت: علام تهنئه؟ قال: كيف لا أُهنئ من يذهب إلى حبسِ جواد كريم نُزُلُهُ عظيم عفوه جسيم. قال: كأني لم أسمع القول إلا تلك الساعة.
 وعن أبي معاوية قال: ما لقيني مالك بن مغول إلا قال لي: لا تغرنك الحياة واحذر القبر، إن للقبر شأنًا.
وقل أبو العتاهية:
 يا حسان الوجوه سوف تموتون ... وتبلى الوجوه تحت التراب  
ولابن السماك:
  تمرُّ أقاربي جنبات قبري ... كأن أقاربي لا يعرفوني  
  وذووا الأموال يقتسمون مالي ... ولا يألون إن جحدوا ديوني  
  قد أخذو سهامهم وعاشوا ... فبالله ما أسرع ما نسوني (1)
وقال عمرو بن عتبة بن فرقد سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين وأنا أنتظر الثالثة. سألته أن يزهدني في الدنيا فما أبالي ما أقبل وما أدبر، وسألته أن يقويني على الصلاة فرزقني منها، وسألته الشهادة فأنا أرجوها.
وكان طلحة بن مصرف يقول في دعائه: اللهم اغفر لي ريائي وسمعتي.
وقال خليد العصري: كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدًّا، وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملًا، وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفًا، فعلام تعرّجون، وما عسيتم تنتظرون، الموت فهو أول وارد عليكم من الله بخير أو بشر.
يَجِدُّ بِنَا صَرْفُ الزَّمَانِ وَنَهْزُلُ ... وَنُوقَظُ بِالأَحْدَاثِ فِيْهِ وَنَغْفُلُ
وَمَا النَّاس إِلاَّ ظَاعِنٌ ومُوَدِّعٌ ... وَمُسْتَلَبٌ مُسْتَعْجَلٌ أَوْ مُؤْجَّلُ
وَمَا هَذِهِ الأَيَّام إِلاَّ مَنَازِلٌ ... إِذَا مَا قَطَعنَا مَنْزِلاً بَانَ مَنْزلُ
فَنَاءٌ مُلِحٌ مَا يُغِبُ جَمِيْعَنَا ... إِذَا عَاشَ مِنَّا آَخِرٌ مَاتَ أَوَّلُ
وَكَم صَاحِبٍ لِي كُنْتُ أَكْرَهُ فَقْدَهُ ... تَسَلَّمَهُ مِنِّي الفَنَاءُ الْمُعَجَّلُ
اسمعوا عظة الزمان إن كنتم تسمعون، وتأملوا تقلب الأحوال إن كنتم تبصرون.
وقال يحيى بن معاذ: لو سمع الخلائق صوت النياحة على الدنيا من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزنًا. (2)
(1) أهوال القبور (1 / 244) مختصرًا.

(2) مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار (3 / 265)

شؤم السرقة وشر إكرام الفاسقين

شؤم السرقة وشر إكرام الفاسقين

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَمَى مِنْ أَجْلِ رَأْفَتِهِ بِعِبَادِهِ وَغَيْرَتِهِ وَكَمَالِ عِزَّتِهِ حَمَى حَوْمَةَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ بِقَوَاطِعِ النُّصُوصِ الزَّوَاجِرِ، وَنَوَامِيسِ عَدْلِهِ الْقَوَاصِمِ الْقَوَاهِرِ، عَنْ أَنْ يُلِمُّوا بِذَلِكَ الْحِمَى الحرام.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ ، وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، الَّذِينَ صَانَهُمْ اللَّهُ عَنْ أَنْ يُدَنِّسُوا صَفَاءَ صِدْقِهِمْ بِدَنَسِ الْمُخَالَفَاتِ ، وَأَنْ يُؤْثِرُوا عَلَى رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ شَيْئًا مِنْ قَوَاطِعِ الشَّهَوَاتِ ، وَأَنْ لَا يَتَطَلَّعُوا إلَّا إلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ، وتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي كَمَا يَدِينُ كُلُّ أَحَدٍ بِهِ يُدَانُ ، وَيُقَالُ لِلْعَاصِي هَلْ جَزَاءُ الْعِصْيَانِ إلَّا الْخِزْيُ وَالْهَوَانُ ، وَلِلْمُحْسِنِ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانُ. أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلاة.
عباد الله: قد شرع الله تعالى لعبادة شريعة كاملة تامّة تُعنى بحفظ الضرورات، فحفظ الدين والعرض والنفس والعقل والمال، ورتّب أشد عقوبات على من سولت له نفسه العبث بها والبغيَ عليها.
أنعم الله على الإنسان بنعمة العقل والإدراك وجعله مناطًا للتكليف وحمى حماه بحظر كلِّ ذريعة تؤدي لنقصه أو نقضه، فحرّم المسكرات والمخدرات، وتوعّد أهلها بالعذاب.
كما أمر الله بحفظ المال، وجعله الله تعالى قوامًا للناس في معيشتهم، فأمرهم سبحانه أن يمشوا في مناكب الأرض يبتغوا من رزقه، ويستعينون به على طاعته وإحسان عبوديّته، وشدد في حُرمة أخذه من غير حلّه، أو إنفاقه في غير أمره.
وحرّم السرقة وشدّد فيها، قَالَ تَعَالَى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } { وَاَللَّهُ عَزِيزٌ } : أَيْ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ السَّارِقِ ، { حَكِيمٌ } : أَيْ فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ قَطْعِ يَدِه. وقال صلى الله عليه وسلم: { لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ } وياخيبة من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسرقة من كبائر الذنوب. فالسارق ملعون ملعون ملعون!
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَا يَنْفَعُ السَّارِقَ تَوْبَةٌ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ.
فإن كان المسروق منه جارًا فالإثم أشد، وروى الشَّيْخَانِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { وَاَللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ، وَاَللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ، وَاَللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ، قَالُوا مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ } ، زَادَ أَحْمَدُ : { قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ شَرُّهُ } .
وعند الطبراني: { أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَزَلْتُ فِي مَحَلَّةِ بَنِي فُلَانٍ ، وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ لِي أَذًى أَقْرَبُهُمْ لِي جِوَارًا ، فَبَعَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيَقُومُونَ عَلَى بَابِهِ فَيَصِيحُونَ أَلَا إنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ } .
وَروى أَحْمَدُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لَا يَسْتَقِيمُ إيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ } وقال : { الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَبْدٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ } وقال : { إنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إلَّا مَنْ أَحَبَّ ، فَمَنْ أَعْطَاهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ حَتَّى يَسْلَمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ ، وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ، قُلْتُ وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ غِشُّهُ وَظُلْمُهُ ، وَلَا يَكْسِبُ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقُ مِنْهُ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إلَّا كَانَ زَادَهُ إلَى النَّارِ . إنَّ اللَّهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئ بِالسَّيِّئِ وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئ بِالْحَسَنِ ، إنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ } .
وَعند النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ } .
وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ : { أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ } .
وَروى الطَّبَرَانِيُّ قال: { جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ اطْرَحْ مَتَاعَك عَلَى الطَّرِيقِ فَطَرَحَهُ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَيَلْعَنُونَهُ ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ النَّاسِ ، فَقَالَ : وَمَا لَقِيتُ مِنْهُمْ ؟ قَالَ يَلْعَنُونِي قَالَ : لَقَدْ لَعَنَكَ اللَّهُ قَبْلَ النَّاسِ قَالَ : إنِّي لَا أَعُودُ فَجَاءَ الَّذِي شَكَاهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْفَعْ مَتَاعَكَ فَقَدْ كُفِيتَ } .
وَروى الطَّبَرَانِيُّ كذلك بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ : { مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ } .
إخوة الإيمان: احذر الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ليحفظ المؤمن لسانه ويده عن أذية عباد الله فإن الله خصماؤه يوم القيامة بين يدي ربهم، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم". لا تأكلوا أموال الناس ظلمًا فإن ذلك جمرًا من جهنم.
احذروا السرقة، واعلموا أن التساهل في سرقة اليسير يجرّئ النفس على سرقة الكثير، وتذكّروا الوقوف بين يدي ربكم يوم تطير الصحائف وتنصب الموازين وتؤدى الحقوق من الحسنات.
إلا وإن من أسباب السرقة المخدرات، فيحسّ المدمن متوهّمًا حاجته لمال يشتري به المخدر فيستطيل على أهله بأخذ أموالهم خفية أو جهرة بلا حق، ثم يثنّي بأقاربه وجيرانه والمسلمين، فيسرقهم لغرضه الخبيث، وبئس الغرض وبئست الوسيلة.
ويعظم الخطب حين يعلم به أهله وقرابته فيسكتون عنه حياءًا أو خوفًا أو مجاملة وضعفًا، فيتساهلون في الإنكار عليه، وفي الأخذ على يده الظالمة الآثمة، فتكونُ النتيجةُ استمراءَهُ لذلك الفعل الدني واستمرارَه في تلك الخصلة الخاطئة الوبيلة، وهل يسلمون بذلك من مساءلة رب العالمين غدّا؟ كلا وربي!
فإن الله تعالى قد كلفنا بدِين كامل وعَهْدٍ قديم وأمانة ثقيلة، وأمرنا بالتعاون على البر والتقوى، وألزمَنا إنكار المنكرات، وتوعّد من أقرّ المنكر أو رضي به أو سكت عنه بالعذاب والنكال.
وأشد من هذا وأخزى ما يفعله بعض أقارب ومعارف الفاسق بمدافعتهم عنه والوقوف دون إنكار المؤمنين عليه تعصّبًا للباطل وحميّةً جاهلية، فأين الولاء لله والبراءة من عُصَاته؟! ألا يخش أولئك أن يُبتلوا بسلب إيمانهم، ألا يخافون أن يتخلى اللهُ عنهم ويكلَهم إلى أنفسهم التي رضيت بالانحياز لأهل معصيته عن أهل طاعته؟!
ثم يمضي الخذلانُ والخطيئة بأقوام حتى يسوقون جاههم بطلب العفو عمن ارتكب أمرًا لا تحلّ الشفاعة فيه مما يأنف صاحب الشيمة أن يتكلم في شأنه. أو أن يحاولوا إسقاط الحد بعد بلوغ الجرم لأهل الشأن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغت الحدود السلطان فلعنة الله على الشافع والمُشفَّع" فالأمر عظيم يا عباد الله.
ومما يؤسف له كذلك إكرام المجرم في المجالس والاحتفاء به سواء كان قبل القبض عليه باشتهار أمر جرمه أو بعد خروجه من السجن، فترى بعضهم – لا كثرهم الله – يترقب خروج المجرم من سجنه فيقيم له الولائم كرامة له.
فأي كرامة يستحقها أمثال هؤلاء؟! أين يذهب بنا هؤلاء؟! إنهم لا يستحقون الإكرام، بل هم حقيقون بالزجر والهجر حتى يتوبوا لربهم وتظهر توبتهم ويشهد لهم خاصتهم بصلاح أمرهم، وكان بعض السلف يمهل التائب سنة كاملة حتى يرى صلاح حاله، والله المستعان، فيا عباد الله استحيوا من الله تعالى حق الحياء ووقروه وعظموا أمره ونهيه ودينه، ولا تجاملوا في دينكم فإنه رأس مالكم، وقد خاب من ولد آدم من باع دينه بدنياه أو بدنيا غيره ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إخوة الإيمان: تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. عالجوا المدمنين وازجروهم وأنكروا عليهم، ولا تكرموهم ولا تسكتوا عنهم، وكذلك السُّراقَ وأهلَ الفواحش وجميعَ من أفسد في الأرض بمعصيته، واعلموا أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
اللهم اجعلنا جميعًا آمرين بطاعتك مؤتمرين بها، ناهين عن معصيتك منتهين عنها، إله الحق.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه....
أما بعد: فاتقوا الله تعالى واعبدوه واخشوا يومًا ترجعون فيه إليه، وتزينوا للعرض الأكبر عليه، يوم لا تخفى منكم خافية، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم.

ويا معشر الآباء: انتبهوا لأولادكم ذكورًا وإناثًا، لا تتركوا أمر تربيتهم لغيركم فتندموا ولا تحين مندم، صاحبوهم واعرفوا أصحابهم، ولا تأمنوا الأجهزة والشاشات والمحادثات عليهم، فكم أفسدت من صالحين، وأطفأت قلوب مؤمنين، وجرت للحوبة الحرام من كانوا عفيفين، فاحذروا فإنكم في زمن تكالبت فيه على الفطرِ الشبهات والشهوات، فليكن مشروع حياتك صلاح أولادك، قربهم من ربهم بدعائك الصالح لهم وبقدوتك الحسنة وبكلمتك الطيبة وبحرصك على أن يكونوا من أهل الصلاة والبر والتقى، وابحث لهم عن حلق تعليم القرآن فالقرآن يحفظهم الله به إن حفظوه وكانوا من أهله.