طهارة وصلاة المريض
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَمَّلَ ضَمَائِرَنَا
بِشَرَائِعِ الإِيمَانِ، وَزَيَّنَ ظَوَاهِرَنَا بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَرَعَ لَنَا طَهَارَةَ الْقُلُوبِ
وَالأَبْدَان، فَبَيَّنَ الأَسْبَابَ وَالْوَسَائِلَ وَالطُّرُقَ أَتَمَّ بَيَان، وَأَشْهَدُ
أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ: الإِيمَانَ
بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ،
فَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ، وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائهِ.
وَإِنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ حَقَّا أَنَّهُ
إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ شَكَرَ اللهَ وَحَمِدَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ مَكْرُوهٌ صَبَرَ
وَلَجَأَ إِلَى رَبِّهِ فِي كَشْفِ ضُرِّهِ؛ فَعَنْ صُهَيْبِ -رضي الله عنه- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ
كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن: إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ
شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ"[رَوَاهُ
مُسْلِمٌ].
وَإِنَّ الْمَرَضَ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِهِ
شَرٌّ وَأَلَمٌ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ خَيْرٌ، فَفِيهِ تكفير الخطيئات
ورفع الدرجات والقرب من رب البريات بالدعاء والضراء، فالبلاء يردك لربك ولقد بورك
لك في حاجة أكثرت من أجلها قرع باب سيدك سبحانه، وفي السقم بَيَانٌ لِنِعْمَةِ الصِّحَّةِ
التِي طَالَمَا غَفَلْنَا عَنْهَا، فَالصِّحَّةُ تَاجٌّ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ
لا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى. والمرض لا يعجل الأجل إنما هو تنبيه
للاستعداد للرحيل.
وَالأَفْضَلُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ
بَيْنَ الرُّقْيَةِ وَالْعِلاجِ الطِّبِيِّ، وَلَوْ أَنَّهُ بَدَأَ بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ
أَوَّلاً كَانَ أَفْضَل، فَكَمْ مِنَ الأَوْجَاعِ تَزُولُ مُبَاشَرَةً بِالرُّقْيَةِ،
فَلا يَحْتَاجُ بَعْدَهَا الْمَرِيضُ لِعِيَادَةِ الطَّبِيب. وَإِنَّ مِنَ الْخُذْلَانِ أَنَّ بَعْضَ
النَّاسِ إِذَا مَرِضَ تَرَكَ الطَّاعَةَ، وَخَاصَّةً الصَّلاةَ، وَرُبَّمَا سَوَّلَ
لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِذَا تَعَافَيْتَ فَصَلِّ مَا مَضَى! وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ
قَدْ يَكُونُ عَلَى مَشَارِفِ الْمَوْتِ، فَكَيْفَ يَتَخَلَّى عَنِ الْعِبَادَةِ التِي
مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ، وَيَتْرُكُ الطَّاعَةَ التِي هِيَ زَادُهُ إِلَى الآخِرَةِ؟
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ على المريض أن
يتفقه في أحكام طهارته وصلاته: فيَجِبُ عَلَيه أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ، فَيَتَوَضَّأَ
مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ، وَيَغْتَسِلَ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ، فَإِنْ كَانَ
لا يَسْتَطِيعُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِعَجْزِهِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ
أَوْ تَأَخُّرِ بُرْئِهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ.
وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ: أَنْ يَضْرِبَ
الأَرْضَ الطَّاهِرَةَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً يَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ،
ثُمَّ يَمْسَحُ كَفَّيْهِ بَعْضَهُمَا بِبَعْض. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَطَهَّرَ
بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُوَضِّئُهُ أَوْ يُيَمِّمُهُ شَخْصٌ آخَر، وَإِذَا كَانَ فِي
بَعْضِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ جُرْحٌ، فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ
الْغَسْلُ بِالْمَاءِ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ مَسَحَهُ مَسْحَاً، فَيَبَلُّ يَدَهُ بِالْمَاءِ
وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ
أَيْضَاً فَإِنَّهُ يوضئُ أعضاءه السليمة فإذا انتهى من وضوئه تيمم عن العضو
المصاب.
وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَسْرٌ
مَشْدُودٌ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ أَوْ جِبْسٌ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ
بَدَلاً عَنْ غَسْلِهِ، وَلا يَحْتَاجُ لِلتَيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنِ
الْغَسْلِ.
فإن عُدم التراب فإنه يَتَيَمَّمَ عَلَى
الْجِدَارِ أو القماش أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ طَاهِرٌ لَهُ غُبَارٌ. وَجَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي
الْمُسْتَشْفَيَاتِ حَاوِيَاتٌ صَغِيرَةٌ يُوجَدُ فِيهَا تُرَابٌ، وَعَلَيْهِ اسْفِنْجٌ،
فِإِذَا وُجِدَ الْغُبَارُ وَتَيَمَّمَ مِنْهَا أَجْزَأَ.
وَإِذَا تَيَمَّمَ لِصَلاةٍ وبَقِيَ عَلَى
طَهَارَتِهِ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الأُخْرَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ
الأَوَّلِ، وَلا يُعِيدُ التَيَّمُّمَ لِلصَّلاةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ
عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَيَجِبُ عَلَى
الْمَرِيضِ: أَنْ يُطَهِّرَ بَدَنَهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ
صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِثِيَابٍ
طَاهِرَةٍ، فَإِنْ تَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ، وَجَبَ غَسْلُهَا أَوْ إِبْدَالُهَا بِثِيَابٍ
طَاهَرِةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلا
إِعَادَةَ عَلَيْهِ.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ
عَلَى شَيْءٍ طَاهِرٍ، فَإِنَّ تَنَجَّسَ مَكَانُهُ، وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ إِبْدَالُهُ
بِشَيْءٍ طَاهِرٍ، أَوْ يَفْرِشَ عَلَيْهِ شَيْئاً طَاهِراً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى
عَلَى حَالِهِ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.
أما المريض المصاب بسلس البول، أو استمرار
خروج الدم، أو الريح، فعليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه،
وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوبًا طاهرًا إن تيسر له ذلك، ويحتاط لنفسه احتياطًا يمنع انتشار
البول أو الدم في ثوبه أو جسمه، أو مكان صلاته، وله أن يفعل في وقت الصلاة ما تيسر
من صلاة، وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت فعليه أن يعيد الوضوء أو
التيمم إن عجز عن الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر
المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة.
وَلا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤَخِّرَ
الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ الْعَجْزِ عَنِ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَتَطَهَّرُ
بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلاةَ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى
بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ نَجَاسَةً يَعْجِزُ عَنْهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الصَّلَاةَ
هِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ
عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ
وَرَبِّهِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَنُورِ الْقَلْبِ.
وَإِنَّ الْمَرِيضَ كَغَيْرِه مُطَالَبٌ
بِأداء الصَّلَاةِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَاءُ، وَالْمِلَّةُ
الغَرَّاء. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ، فَهِيَ كَمَا يَلِي:
يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ
الْفَرِيضَةَ قَائِمَاً، وَلَوْ مُنْحَنِيَاً، أَوْ مُعْتَمِدَاً عَلَى جِدَارٍ، أَوْ
عَصَا؛ لِعُمُومِ قَوْلِ اللهِ -تعالى-: (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:
238].
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ
صَلَّى جَالِسَاً والتربعُ أفضل. لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم يصلي
متربعًا)) فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ جَالِسَاً صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ
مُتَوَجِّهَاً إِلَى الْقِبْلَةِ، وَالْجَنْبُ الأَيْمَنُ أَفْضَلُ. فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّوَجُّهِ
إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ اتِّجَاهُهُ، وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلا إِعَادَةَ
عَلَيْهِ.
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ
عَلَى جَنْبِهِ صَلَّى مُسْتَلْقِيَاً رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
أَنْ تَكُونَ رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَتْ، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَيَجِبُ عَلَى
الْمَرِيضِ: أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ فِي صَلاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْمَأَ
بِهَمَا بِرَأْسِهِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ
الرُّكُوعَ دُونَ السُّجُودِ رَكَعَ حَالَ الرُّكُوعِ. وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ، وَإِنِ اسْتَطَاعَ
السُّجُودَ دُونَ الرُّكُوعِ سَجَدَ حَالَ السُّجُودِ وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ، ولا
يتخذُ شيئًا يسجدُ عليه؛ لحديث جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم عاد
مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، وقال: ((صلِّ على الأرض إن استطعت وإلا
فأومِ إيماءً واجعل سجودك أخفض من ركوعك).
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ
صلى بقلبه مع تحريك شفتيه في القراءة والذكر. وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. فإن الصلاة
لا تسقط عنه مادام عقله ثابتًا بأي حال من الأحوال.
وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ: أَنْ يُصَلِّيَ
كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ
فِيهَا، فَإِنَّ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا، فَلَهُ الْجَمْعُ
بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ إِمَّا جَمْعُ تَقْدِيمٍ،
وَإِمَّا جَمْعُ تَأْخِيرٍ، حَسْبَمَا يَكُونُ أَيْسَرَ لَهُ. أَمَّا الْفَجْرُ فَلا تُجْمَعُ لِمَا قَبْلَهَا،
وَلا لِمَا بَعْدَهَا.
وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ مُسَافِرَاً يُعَالَجُ
فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ
وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى
بَلَدِهِ، سَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَمْ قَصُرَتْ.
أما المغمى عليه فإنه يقضي الصلاة إن كان
الإغماء ثلاثة أيام فأقل؛ أما إذا كانت المدة أكثر من ذلك فلا قضاء عليه.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ عِلْمَاً
نَافِعَاً، وَعَمَلاً صَالِحَاً. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ
الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ.
أَقُولُ قَولِي هَذَا، وأَسْتِغْفِرُ اللهَ
العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، الْحَلِيمِ
الْعَظِيم، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَالتَّابِعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن القيام
والركوع والسجود من أركان الصلاة، فمن استطاع فعلَها وجب عليه فعلُها على هيئتها الشرعية،
ومن عجز عنها لمرضٍ أو كبر سنٍّ فله أن يجلس على الأرض أو على كرسي.
ومما ينبغي التنبه له: أنه إذا كان معذوراً
في ترك القيام فلا يبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده إلا مع
العجز. فالقاعدةُ في واجبات الصلاة: أن ما استطاع المصلي فعلَه وجب عليه فعلُه،
وما عجز عن فعلِه سقط عنه.
فمن كان
عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام، ويأتي بالركوع والسجود على
هيئتهما، فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود: فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسيِّ
عند الركوع والسجود، ويجعلُ سجودَه أخفضَ من ركوعه. أما من كان يشق عليه القيام
والركوع فقط وكان السجود لا يشق عليه فيلزمه السجود على أعضائه السبعة ولا يكفيه
الإيماء، فإن كان الكرسي يصعّب السجود فعليه أن يصلي جالسا من دون كرسي كي يسهل
عليه السجود، أما إن كان يشق عليه القيام والركوع والسجود فإنه يصلي على الكرسي
جالسا ويومئ بركوعه وسجوده ويجعل سجوده أخفضَ من ركوعه. قال ابن باز رحمه الله: الواجب على من صلى جالسا على الأرض ، أو
على الكرسي ، أن يجعل سجوده أخفضَ من ركوعه ، والسنةُ له أن يجعل يديه على ركبتيه في
حال الركوع ، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلَهما على الأرض إن استطاع ، فإن لم
يستطع جعلهما على ركبتيه ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أمرت أن
أسجد على سبعة أعظم : الجبهة - وأشار إلى أنفه - واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين
) .
ومن عجز عن ذلك وصلي على الكرسي فلا حرج
في ذلك ، لقول الله سبحانه : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وقول النبي
صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ
) متفق على صحته . انتهى كلامه رحمه الله.
معشر المصلين: أما عن موضع الكرسي في
الصلاة فمَن جاز له الجلوس في محل القيام من صلاته كلِّها، فإنَّ العبرة في مصافَّته
خلف الإمام: أن يُحاذي الصفَّ بكتفيه لا بأقدامه. فإن كان المصلي سيجلس على الكرسي
من أول الصلاة إلى آخرها فإنه يحاذي الصف بموضع جلوسه. فإن كان سيصلي قائماً ، غير أنه سيجلس على
الكرسي في موضع الركوع والسجود فإن العبرة بالقيام. فيحاذي الصف عند قيامه.
وكل ما سبق ذكره وبيانه متعلق بصلاة الفريضة،
أما صلاة النافلة فالأمر فيها واسع، فيجوز له الجلوس ولو بدون عذر لكنه خلاف الأفضل
وله نصف أجر القائم، فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، فقال: « إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله
نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد »رواه البخاري، وهذا الحديث محمول
على صلاة النفل. أما إن كان عاجزاً عن القيام فصلى جالساً فأجره أجر القائم.
اللهم صل على محمد..