إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 26 سبتمبر 2019

لقاء الله تعالى


لقاء الله تعالى
منقول بتصرف وزيادة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
أما بعد: عباد الرحمن هل تساءلتم يومًا كيف يأتي الله تعالى يوم القيامة للقاء العباد؟
فإن بيننا وبين الله موعد، فما هو الموعد الذي بيننا وبين الله، وماذا سيكون في ذلك الموعد الذي بيننا وبين الله؟ إنه موعد جدير بالتأمل والتفكر، إنه إذا لم نتفكر في هذا الموعد لا تنصلح قلوبنا، ولا تستقيم أعمالنا، لقد وعدنا الله موعداً، فقال عز وجل: (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت) وقال: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) وقال: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقال: (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين).
إنّ بيننا وبين ربنا موعدًا حدثنا عنه فيه كتابه، وحدثنا عنه نبيه ﷺ، يوم نلاقي فيه الله، فماذا سيحدث بيننا وبين الله؟ تعالوا عباد الله نستعرض شيئاً نحيي به قلوبنا، ونزيل به ران المعاصي.
أولاً سنحشر جميعاً يوم القيامة، ثم سيأتي الله تعالى للقائنا، إنه سيلاقينا (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) يجيء الله تعالى والملائكة صفوفاً صفاً بعد صف، فيأتي للفصل بين الخلائق، وعند ذلك يستشفع الناس إلى الأنبياء من أولهم -من آدم عليه السلام -إلى آخرهم محمد ﷺ، يسألون أولي العزم من الرسل، واحداً بعد واحد، كلهم يقول: لست بصاحب ذاكم، حتى ينتهون إلى محمد ﷺ فيقول: أنا لها . وأدلة مجيء الله عز وجل في القرآن والسنة متوافرة، قال الله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ) سيأتي الله في ظلل، كما قال ابن عباس: في طاقات من الغمام، والملائكة معه، إتيانُ الجنودِ مع الملك إتياناً تنخلع له القلوب. إتيانُ الله تعالى إتيانٌ عظيم، عند ذلك يبلس المجرمون، ويُسقطَ في أيديهم، وإذا جاء الله وكانت السماوات والأرض قد أظلمت، ليس هناك شمس ولا قمر ينير، ولا نجوم تضيء، كلها قد كسفت، وطُمست، ولم يبق لها نور، وبقي الناس في ظلمة عظيمة، فإذا جاء الله أشرقت الأرض بنور ربها، قال الله عز وجل: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ)
 عباد الله؛ إذا كان يوم القيامة ينزل الله إلى العباد ليقضي بينهم، وكلُّ أمةٍ جاثيةً. يجمعهم جميعاً مؤمنَهم وكافرَهم، حُرَّهم وعبدَهم، صغيرَهم وكبيرَهم، إنسَهم وجنَّهم، ووحشَهم وطيرهم، حتى الذرَّ والنمل. (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) تتناثرُ النجوم، وينطمس ضوء الشمس والقمر، وتشتد الظلمة، ويعظم الأمر، ثم تنشق السماء على غلظها وصلابتها، فتسمع الخلائق لانشقاقها صوتاً عظيماً، فظيعاً، تندهش لهوله الألباب، وتخضع لهيبته الرقاب، ثم ينظرون إلى الملائكة هابطين من السماء يحيطون بأرض المحشر، التي مُدّت مد الأديم، وجُمع الخلائق فيها بصعيد واحد، وأهلُ السماء أكثر من أهل الأرض أضعافاً مضاعفة، يتقاطرون من أقطار السماوات إلى أرض المحشر، يحيطون الناسَ إحاطةً بعد إحاطة.
 والخلقُ يفزعون إلى الملائكة، كلما جاء فوج يسألونهم: أفيكم ربُّنا، أفيكم ربنا؟ وهكذا حتى يأتيَ اللهُ تعالى معه الفوج الأخير من الملائكة.
 هذه الإحاطة العظيمة إذا رآها الناسُ هربوا، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوف الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قول الله: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصم) ويقول الله تعالى متحدياً للناس أن يهربوا من أرض المحشر: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَان) وليس هناك سلطانٌ إلا سلطانُ اللهِ تعالى، يأتي الله في ظُلَلٍ من الغمام ليجازي كلَّ عامل بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله  ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
 وتُشرقُ الأرضُ، ويَبرزُ الرحمن لفصل القضاء بين الخلق، يأتيهم الله عز وجل بنفسه سبحانه وتعالى، يأتيهم ليفصل بينهم.
فإذا جاء الله تعالى يراه أهل المحشر، ثم يحتجبُ عن الكفار، فيشعرون بأشدِّ الحسرة والندم أن حجبوا عن الرب، وأما المؤمنون فإنهم كما قال ربهم: (وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة) وقال الله: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) وقال: (لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) فهذه الآيات في رؤية الرب عز وجل.
 روى مسلم في صحيحه عن صهيب أنه قال: "قرأ رسول الله ﷺ: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قال:  إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنة، وأهلُ النارِ النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً ويريد أن ينجزْكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلْنا الجنة، ويزحزحْنا عن النار؟ فيكشفُ الحجاب فينظرون إلى الله، فما أعطاهم شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة" .
 والنظر إلى الله تعالى ورؤيتُه يكون كما قال النبي ﷺ عن يوم القيامة فيما رواه الشيخان: "يقال للعباد: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تعالى.
 وقال: ينادي منادٍ: ليذهبْ كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يعبدون، فيذهبُ أصحابُ الصليبِ مع صليبهم، وأصحابُ الأوثان مع أوثانهم، وأصحابُ كلِّ آلهةٍ مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغُبّراتٌ من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تَعْرِضُ كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم، ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا منادياً ينادي ليلحق كلُّ قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربَّنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورةٍ غيرِ صورته التي رأوه فيها أولَ مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا! فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه؛ فيسجد له كلُّ مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياءً وسمعه، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً. كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه".
عباد الله: قال النبي ﷺ: "يحشرُ الله العبادَ فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قَرُبَ: أنا الملكُ أنا الديان". وقال النبي ﷺ: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه تَرجُمان فينظرَ– أي العبد – أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظرَ أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظرَ بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". رواه البخاري.
وقال النبي ﷺ: "يدنو أحدكم من ربه، حتى يضع كنفه عليه – أي سِتره - فيقول: أعملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول له: إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم". اللهم اجعلنا من أهل سترك يا ستير.
ومن أعظم نعيم أهل الجنة كلامُ الله تعالى لهم وقوله: "أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً. ثم يكشف لهم عن وجهه تبارك وتعالى، فما أعطوا شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إلى وجه ربهم الكريم، وبعض الناس سيحرمون من كلام الله معهم، الكلام الذي يدل على الرضا والسرور، ويوبخون بكلام الحساب، والتشديد عليهم، فعندما يكرم المؤمنون بالكلام معهم، لا يتكلم الله مع الكفرة والفجرة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ويقول لأهل النار: (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُون) فقوله: (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ) أيِ الكلامَ الذي يدل على رضاه، وإنما يكون قبل ذلك كلام توبيخ وتقريع، عياذا بالله تعالى.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل السعادة في ذلك اليوم، اللهم بيّض وجوهنا، وثقّل موازيننا، اللهم ارض عنا ووالدينا والمسلمين يوم نلقاك.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، أشهد أنه الحي القيوم، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، وهو ديان يوم الدين، والقائم على كل نفس بما كسبت، وهو الله الواحد القهار، خلق خلقه وهو أعلم بهم، وسيحاسبهم وهو خبير بهم سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والبشير النذير، والسراج المنير، وإمام الأنبياء، وقائد الغر المحجلين، والشفيع يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: قال ربنا جل وعلا: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) وقال الله: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وقال: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار) وقال: (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ). إنّ العرض: هو عرضُ الخلائق كلِّهم على ربهم سبحانه وتعالى، لا تخفى عليه منهم خافية، من يحاسَب ومن لا يحاسَب، وعرض آخر هو عرض معاصي المؤمنين عليهم ليقررُهم بها ثم يسترُها عليهم، وعرض آخر وهو عرض الحساب والمناقشة، ومن نوقش الحسابَ عذّب، فالذي يصل إلى مرحلة المناقشة فهو معذب، أما صاحب الحساب اليسير فهو الناجي في ذلك اليوم الهائل. ومنه إلى جنات النعيم، ومن الناس من يدخلَها مباشرة بلا حساب نسأل الله الكريم لنا جميعا ولوالدينا وأحبابنا والمسلمين من ذلك الفضلِ العظيم.
اللهم صل على محمد..

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

شناعة الفعل الآثم بتفجير مصفاة بقيق ونعمة الأمن في البلاد وخطر الرافضة وكفرهم


شناعة الفعل الآثم بتفجير مصفاة بقيق ونعمة الأمن في البلاد وخطر الرافضة وكفرهم
منقولة بتصرف وزيادات
الحمد لله تفرَّد بالعزّة والجبروت والملك والملَكوت، أمات وأحيَا، وأضحك وأبكى، وأفقر وأغنى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفِره، نعَمُه تترى وآلاؤه لا تحصى. وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدّه لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله، خاتمُ الأنبياء وسيد الورى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله نجومِ الدجى وأصحابِه شموس الهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم فاهتدى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا أبدا.
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار. واتقوا الله تعالى وأطيعوه، واخشوه ولا تعصوه، (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
عباد الله؛ في الجمعة الماضية فُجعنا بالجريمة الشنيعة، عمليةِ التفجير بمنشآت النفط في المنطقة الشرقية .تلك الجريمةُ التي استهدفت الدماء والأموال ، وروّعت الآمنين ، وأفرحت الأعداء والحاقدين وليس هذا بمستغرب من الرافضة الحاقدين، فهم لا يألون جَهدًا في دمار هذا البلد الذي يُغيضهم بحفظ الله له بالإسلام.
عباد الله، أن من أعظم نعم الله تعالى بعد نعمة الاستقامة على الإسلام هي نعمة الأمن والاستقرار فاحمدوا الله على ذلك، واشكروه بقلوبكم وألسنتكم وبأعمالكم، واعلموا أن الشكر هو قيد النعم الموجودة وصيدُ النعم المفقودة، (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).
واضرعوا إلى الله تعالى بدفع الشر ورفعه عن البلاد والعباد، فلا يعرف نعمة الأمن إلا من تجرّع ويلاتِ الخوف وروعاتِ الخطوب، فاحمدوا الله كثيرًا على نعمة الأيمان والأمن، وتدبروا قول ربكم سبحانه: (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) وقولَه سبحانه: (اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور) وقوله سبحانه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)
قال ابن  كثير رحمه الله تعالى: "قوله: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ } يعني: الفقر والضيق في العيش { وَالضَّرَّاءِ } وهي الأمراضُ والأسقام والآلام { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون.
وقولُه تعالى: { فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا (2) { وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي: ما رقَّت ولا خشعت { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي: من الشرك والمعاصي.
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي: أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } أي: فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا (3) استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذا بالله من مكره؛ ولهذا قال: { حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا } أي: من الأموال والأولاد والأرزاق { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } أي: على غفلة { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } أي: آيسون من كل خير.
وقال الحسن البصري: من وسّع الله عليه فلم ير أنه يُمكر به، فلا رأي له. ومن قَتَر عليه فلم ير أنه يُنظرُ له، فلا رأي له، ثم قرأ: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } وقال: مُكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا حاجتهم ثم أخذوا.
وقال قتادة: بَغَت القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغِرَّتهم ونعيمهم فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. وقال مالك، عن الزهري: { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } قال: إرخاءُ الدنيا وسِترِها.
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يُعْطِي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتِدْرَاج". ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ }.
عباد الله: لا مخرج من الفتن إلا بالاعتصامِ بحبل المتين سبحانه، والتوبةِ من الذنوب واللجأِ بالضراعة لعلام الغيوب، ومن ذلك الحرصُ على وُحدة البلد وعدمِ تفريقه وشقِّ عصاه، و حفظُ بيعة ولاةِ الأمر حفظهم الله ووفقهم لما يحبه ويرضاه.
أيها المسلمون؛ لقد نبتت نابتة الرافضة في  بلاد الإسلام على أيدي اليهود والمجوس، فلا عجبٌ حربُهم العوان على الإسلام وإن ادّعوا أنهم من أهله كذبًا ونفاقًا، فهم يكذبون القرآن ويتهمون ربَّ العالمين بما لا يليق بأراذل المخلوقين تعالى الله علوا كبيرا وتنزه وتقدس سبحانه وبحمده.
إنهم فرقة ضلال مبين، قد استوعبت كثيرًا من الجهالات والحماقات؛ وإنك مهما قلت وسطّرت فلن تفي تلك الخشبَ المسندةَ حقها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والرافضة أجهل الناس بالمعقول، وأكذبهم بالمنقول". إن الروافض شرُّ من وطئ الحصى.
ومنطلقاتُ الرافضة -أيها الأحبة في الله- نابعة من ذلك الحقد الدفين الذي يلف عقول أولئك الضُّلاَّل؛ جراء تقويض الإسلام ورجالِه لحضارة الفرس الوثنية؛ فلم يترك لها من باقية إلاَّ ما زال قابعًا في نفوس أولئك القوم، ويجعلون منه وقودًا يؤججون به نار الحقد في نفوسهم على الإسلام وأهله، مع أن الإسلام قد أخرج هؤلاءِ المجوسَ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، بل إن الإسلام بوأهم ما لم يكن لهم في الحسبان مكانة وكرامة، ولكنه الحقد والحسد على كل ما هو إسلامي؛ فلا يدعون فرصة تسنح لهم إلا ويهتبلونها للنيل من الإسلام من إشراقه وصفائه؛ حسيًا ومعنويًا.
سلكوا سبيل التشيع؛ لزلزلة ثوابتِ الأمة ومسلماتِها؛ لتكون سلمًا للقضاء عليها، وقد مكن لهم من ذلك وآزرهم عليه اليهود؛ ممثلين في ابن سبأٍ اليهودي، وجعلوا من تعظيم علي ومناصرته سلمًا لذلك المشروع المجوسي اليهودي؛ فزعموا بداية أن عليًا إله؛ فما كان من علي  إلا أن حرقهم ومزقهم كل مزق؛ إنكارًا عليهم، وقال:
ولما رأيت الأمر أمرًا منكرًا                أججت ناري ودعوت قنبرًا
فلما أحس أولئك المجرمون أن أمر تأليه علي لا تكاد تتقبله النفوس، تحولوا عنه إلى أحقية علي بالخلافة وبتفضيله على وزيري النبي الكريم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم بتسليمهم الخلافة لأبي بكر قد كفروا، ثم توجهوا بعد ذلك إلى القرآن الكريم؛ فاتهموا الصحابة بإخفاء ثلثي القرآن، بل أشدّ من ذلك قالوا: أن الله قد أوصى جبريل أن يوحي القرآن لعلي وأنه خان الأمانة وأوحاه لمحمد صلى الله عليه وسلم، استغفر الله من إيراد هذا البهتانِ العظيم. فقد خوّنوا من قال الله فيه: (مطاعٍ ثّمَّ أمين) فجبريل عليه السلام عدو الرافضة كما أنه عدو اليهود.
فحق أهل البيت -أيها الأحبة في الله- فرية جعل منها الفرس الكفرة دثارًا للمكر بالأمة وبدينها، وبذلك وصلوا لكثير من مبتغياتهم، حيث أحدثوا بذلك شرخًا كبيرًا في بناء الأمة ووحدتها منذ زمن بعيد، وحتى زمننا هذا، ولن يهدأ لهم بال حتى يروا من الإسلام أثرًا بعد عين، لا مكنهم الله من ذلك.
وأهل البيت بما بصرهم الله من حقيقة هؤلاء الفرس بريئون منهم، وكلامهم يوقف على تلك الحقيقة الدامغة. قال موسى بن جعفر: "لو ميزتُ شيعتي لم أجدْهم إلا واصفة، ولو امتحنتُهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحصتُهم لما خلص من الألف واحد". ويقول جعفر الصادق: "إن ممن ينتحل هذا الأمر -أي: التشيع- لمَن هو شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوسِ والذين أشركوا".
ومن نظر في تلك الهرطقة التي أحدثها الفرس في بناء الأمة لم يكد يجد فيها إلا هدمًا لصروح الإسلام العظام، وهذا يكون ببعث الشبه في الرجال النقلة لتشريعاته، وذلك كائن بتكفير الصحابة الكرام، ويكون كذلك باطراح كتابها المبين بادعاء التحريف فيه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالرحمة والهدى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن بنهجهم اهتدى.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله، لقد جاء مقُولُ علماءِ الإسلام في حقيقة هذه الفرقةِ المارقةِ ظاهرًا جليًا، لا يكاد يخفى على من له أدنى بصيرةٌ أو علم، وما لُدغت الأمة يوم أن لدغت من هؤلاء إلا يومَ أن اطّرحت مَقُولَ أولئك الأعلام وتنكبت هديهم؛ تعللًا بأن حال الأخلاف من هذه الفرقة يختلف عن حال الأسلاف منهم، وما أدركوا أن سلسة الحقد واحدة، بل إنها عند الأخلاف المتأخرين أشدُّ منها عند أسلافهم، وها هم يرون ذلك حقيقة واقعة في القطر العراقي، وإليكم بعضًا مما قال الأسلاف عن هذه الأمة الرافضية.
قال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ [الفتح: 29]، قال: "ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك". وقال القرطبي: "لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحدًا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين".
وعن الشافعي أنه قال: "لم أر أحدًا من أصحاب الأهواء أكذب في الدعوى، ولا أشهدَ بالزور من الرافضة".
وعن أبي بكر المَرُّوذيِّ قال: سألت أبا عبد الله أحمدَ بنَ حنبلٍ رحمه الله عمن يَشتم أبا بكر وعمرَ وعائشة، قال: ما أراه على الإسلام.
وقال البخاري رحمه الله: "ما أبالي صليتُ خلف الجهمي والرافضي، أم صليتُ خلف اليهود والنصارى، ولا يسلَّمُ عليهم ولا يُعادون ولا يناكحون ولا يَشهدون ولا تؤكل ذبائحهم".
وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله  فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول  عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة".
وقال أحمد بن يونس: "لو أن يهوديًا ذبح شاة وذبح رافضيٌّ لأكلت ذبيحة اليهودي، ولم آكل ذبيحة الرافضي؛ لأنه مرتد عن الإسلام".
وقال ابن حزم الظاهري: "وأما قولهم -يعني النصارى- في دعوى الروافضِ تبديلَ القرآن؛ فإن الروافضَ ليسوا من المسلمين، إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت رسول الله بخمس وعشرين سنة.. وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر".
وقال السمعاني رحمه الله: "واجتمعت الأمة على تكفير الإمامية، لأنهم يعتقدون تضليل الصحابة، وينكرون إجماعهم، وينسبونهم إلى ما لا يليق بهم".
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا. اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ بهم الإسلام وأيّد بهم الدين، اللهم احفظ جنودنا المرابطين وانصرنا على عدوك وعدونا يارب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لتكون كلمتك هي العليا, اللهم انصرهم في كل مكان. اللهم توفنا مسلمين وابعثنا يوم القيامة مسلمين، واحشرنا في زمرة سيد الأولين والآخرين.
ألا وصلوا على المبعوث رحمةً للعالمين امتثالاً لأمر ربكم الكريم: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب:56], اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

وظائف اليوم والليلة



وظائف اليوم والليلة

الحمد لله الملك القدوس السلام، الذي أعطى كل شيء خلْقَه على الكمال وعلى التمام، رفع السماء بلا عمد والأرض وضعها للأنام، فيها جناتٌ والنخلُ ذاتُ الأكمام، وجبالٌ وظِلال ولباس وشراب وطعام وأنعام. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خيرُ الأنام، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
 فاتقوا الله تعالى معشر المؤمنين، واعتصموا به واستهدوه واستَطعموه واستكسوه واسألوه وارغبوا إليه، فلا خير إلا من عنده ولا توفيق إلا من لدنه، واغتنموا حياتَكم قبل موتكم وصحتَكم قبل سقمكم. واعلموا أنّ في كل يوم وليلة هناك أعمالٌ صالحة، بعضها واجب وبعضها مستحب، هي درجاتٌ في مراتب الجنات، فمستقلٌّ ومستكثر من فضل رب البريات، قد جعلها الله وظائفَ لعمر المؤمن، يزيد بها أجره ويُقربُه بها من مرضاته وجنته.
المومن الموفّق يبدأ يومه بصلاة الفجر جماعة مع المسلمين في بيت الله تعالى، فحينما تسمع الأذان انهض مباشرة واحذر من نزغات الشيطان التي تدعوك للكسل عن الصلاة. فمن صفات المنافقين: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى). فإن بادرت للمسجد قبل الأذان فأنت حينئذ من خيرِ مَن أنتَ منهم.
اذكر ربك من حين انتباهِكَ من نومك وأسبغ وضوءك وامش إلى المسجد بسكينة ووقار، ولك بكل خطوة درجة وتكفير خطيئة، كما في الصحيحين.
وعند دخولك المسجد قدّم رجلك اليمنى وقل: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك".
وهناك سنّةٌ راتبة بين الأذان والإقامة، وهي ركعتان خفيفتان، ومما ورد في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها" رواه البخاري. وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعها حضرًا ولا سفرًا، ويقول: "صلّوها ولو طردتكم الخيل". وإذا كان هذا فضل سنة الفجر، فما بالكم بصلاة الفجر؟! ومن السنة أن تقرأ في الركعة الأولى سورةَ الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد.
ومن فاتته سنة الفجر قبل الصلاة فيشرع أن تُقضى بعد ارتفاع الشمس وإن صلاها بعد صلاة الفجر فلا بأس.
واعلم أخي المسلم: إن لصلاة الفجر شأنًا عظيمًا كما قال تعالى: (وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودَاً" وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن صلى البردين دخل الجنة" رواه البخاري، والبردان هما الفجر والعصر.  ومنها أن "من صلى الفجر فهو في ذمة الله" رواه مسلم.
ومن أدلة أهمية صلاة الفجر أن الصحابة كانوا يرون أن التخلف عنها من علامات النفاق، كما قال ابن مسعود: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".
أخي المسلم: ثم بعد الفجر يستحب لك أن تبدأ صباحك بأذكار الصباح الواردة عن نبينا صلى الله عليه وسلم التي تجعل قلبك يعيش في رياض الإيمان، (أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) فالذكر للروح كالماء للسمك، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت" رواه البخاري.
وإذا صليت الفجر فاذكر أذكار الصلاة ثم أتبعها بأذكار الصباح ولا تقم حتى ترتفع الشمس ففيها أجر عظيم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة، ثم قَعَدَ يذكرُ الله حتى تطلُع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حَجّةٍ وعمرة تامّة تامّة تامّة». أخرجه الترمذي وحسّنه ووافقه ابن باز والألباني.
ويا عبد الله: لا بد أن يكون لك ورد يومي من القرآن لا يقل عن جزءٍ قد استطاعتك، فلا تهجر كلام ربك فتدخل في شِكاية رسولك صلى الله عليه وسلم، (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا) فليكن لك ورد لا يقطعه إلا الموت، فالأبل ترد الماء لتحيا، وكذلك القلب يردُ القرآن ليحيا، فأحيه بالقرآن ولا تُقسّه بهجره، فأبعدُ القلوب عن الله القلبُ القاسي.
 والموفق يا عباد الرحمن يعتني بصلاة الضحى، وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَيامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَأن أوتر قبل أن أنام". ويبدأ وقتها بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة حتى قبيل الظهر بربع ساعة، وأقلها ركعتان، ولا حدّ لأكثرها.
فإذا أُذّن لصلاة الظهر فيستحب لك صلاة أربع ركعات بسلامينِ قبلها لأنه وقتٌ تُفتح فيه أبواب السماء، ثم صل وركعتين بعد صلاة الظهر، كما جاء في الحديث: "من صلى ثنتي عشرة ركعة بنى له الله بيتاً في الجنة"، وهي أربعٌ قبل الظهر، واثنتان بعده. واثنتان بعد المغرب في البيت واثنتان بعد العشاء في البيت، واثنتان قبل صلاة الفجر.
يا عبد الله، بادر وبكّر للصلاة فإنك لا تزال في صلاة ما كنت في انتظارها فإذا صليت فإن الملائكة تستغفر لك ما دمت في مصلاك مالم تنصرف أو تُحدِث، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. فلا تستعجل الخروج من المسجد بعد الصلوات، واعمر وقتك بالذكر فأنت في رياض الجنة.
 فإذا دخل وقت العصر استُحِبَّ لك صلاةُ أربع ركعات بسلامين قبل الفريضة، قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً".
وصلاة العصر جِدُ عظيمة، قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) والمراد بالوسطى هي العصر. وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" رواه البخاري.
 فإذا صليت العصر وذكرت أذكارها فلا تقم حتى تذكر أذكار المساء، فإنك أن قمت أَنْسَتْك مشاغلُ الدنيا غنائمَ الآخرة! والمؤمن حازمٌ فطن (والآخرة خير وأبقى).
وتحرمُ الصلاة بعد العصر حتى غروب الشمس مما ليس له سبب، وأما الصلوات التي لها سبب فتجوز في أوقات النهي، كصلاةِ الجنازة والاستخارة والطواف والوضوء وتحيةِ المسجد ونحو ذلك، فيجوز فعلُ كلِّ ذلك حتى في أوقات النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب. ولكن إذا اقترب وقت الغروب أو الشروق أو الزوال فلا تُصلّى حتى ذواتِ الأسبابِ، وذلك لورود التشديد في النهي عن الصلاة فيها، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاثُ ساعاتٍ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلّي فيهن أو ندفن فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقومُ قائمُ الظهيرة حتى تميلَ، وحين تَضَيَّفُ الشمسُ للغروب حتى تغرب".
فإذا غربت الشمس استُحبّت ركعتان قبل صلاتها، قال صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا قبل المغرب، صلُّوا قبل المغرب" وقال في الثالثة: "لمن شاء" رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه قال: لقد رأيتُ كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواريَ عند المغرب. رواه البخاري.
فإذا صليت المغرب فصل ركعتين والأفضلُ أن تصليَها في بيتك، قال صلى الله عليه وسلم فيها: "هذه صلاة البيوت" رواه مسلم.
وصلاة العشاء معظّمة في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: "مَن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله" رواه أبو داود بسند صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيمها لأتوهما ولو حبواً" رواه البخاري. وبعد الفراغ من الصلاة يستحب لك صلاة ركعتين، وهي من السنن الرواتب.
اللهم حبب إلينا الإيمان، وزيِّنْهُ في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم ارزقنا حسنَ عبادتك آناء الليل وأطراف النهار.  أقول هذا القول واستغفر الله...

 الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
عباد الرحمن: إن من أحب الأعمال إلى الله الصلاةُ في جوف الليل، فصلاة الليل هي أفضل الصلواتِ بعد الفريضة، وصلاة الليل هي زاد المؤمن وراحته وجَنته وجُنَته، ومن أسباب الأمن يوم القيامةِ قيامُ الليل، قال تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلًا . وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلا . إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا) وتدبر رحمك الله قولَ اللهِ عز وجل عن المؤمنين: (تَتَجافى جُنُوبُهُم عن المضاجع يدعون ربَّهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم يُنفقون " فلا تعلم نفسٌ مآ أُخفِيَ لهم من قُرَّة أَعْيُنٍ جزآءً بما كانوا يعملون). فإنّ  في الجنة يا عباد الله نعيمًا ليس من جنس نعيم الدنيا، بل هو جديدٌ  بكل تفاصيله وأسمائه، وليس في الدنيا ما يعبَّرُ عنه به حتى ولو على سبيل التقريب والتشبيه، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. اقرءوا إن شئتم: (فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفِي لهم من قُرَّةِ أعيُنٍ جزاءً بما كانوا يعملون)". فلم يخطُر ذلك النعيمُ على قلبٍ أصلًا، نسأل الله الكريم من فضله. قال بعض السلف: أخفوا لله العمل فأخفى الله لهم الجزاء، فلو قَدِموا عليه لأقرّ تلك الأعين عنده.
وقال الله عن أهل الجنة: (كَانُوا قَلِيلَاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد" رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزُّه استغناؤه عن الناس" رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني.
ولا تنس لا تنس لا تنس أن تذكر الله وتعوه في الثلث الأخير من الليل، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيبَ له من يسألُني فأعطيَه من يستغفرُنِي فأغفرَ له" وفي رواية: "حتى ينفجر الصبحُ". متفق عليه. فالغنائم أيها النائم. ومن أراد الخير فليعمل بأسبابه ورأسها الاستعانة بالله تعالى وتقواه، وذُكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا نام ليلَهُ حتى أصبح -أي لم يتهجد- فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أُذنيه" متفق عليه، وهذا فيمن فاته قيامُ الليل؛ فكيف بمن فاتته فريضة الفجر؟! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.
ولما اشتكوا للحسن ضعفهم عن التهجد قال: قيّدتكم خطاياكم. وللسلف مع قيام الليل أخبار شريفة.
عباد الله: إن من توفيق الله لعبده أن يهديَه لعملٍ صالحٍ لا ينقطع بموته، فلا يزال يصعد درجات الجنة حتى بعد رحيله عن دنيا العمل، بكلمةٍ علّمها، أو نفس أسعدها، أو جَوعة أشبعها، أو علّة داواها، أو بئرٍ حفرها، أو جِلدٍ أدفأه، أو ظلامٍ بدّده، أو طريق عبّده، أو نفعٍ سبّله، أو مسجد بناه، ونحو ذلك من مراضي رب العالمين.
وعليك ببناء علمك بالطلب فهو بداية الوصول، والتلاوةِ فهي عطر الروح، والتدبّرِ فهو مفتاح العقل، والحفظِ فهو كنز العلم، والمراجعةِ فهي تأكيدُ الفائدة، والمُدارسةِ فهي لِقاحُ المعرفة، والعلم الذي لا يُدرس يَندرس. وقال إبراهيم بن عبد الواحد موصيًا الضياء المقدسي لمّا أراد الرحلة للعلم: أكثِر مِن قراءة القرآن ولا تتركه؛ فإنه يتيسّر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ. قال الضياء: فرأيت ذلك وجرّبته كثيرًا، فكنتُ إذا قرأتُ كثيرًا تيسّر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي.
وعليك بالدعاء فهو زاد المؤمن وقُوْتُه وسلاحه، وما خاب من دعا، وما ندم من ابتهل، وما خسر من تضرّع. ومِن أعظم أسباب إجابة الدعاء: اليقين بربك، وحسن ظنك به، والثقة بلطفه، والطمأنينة لوجوده وإحاطته وعلمه وقُربُه ورحمته. ومن وصايا طاووس بن كيسان: "إيّاك أن تطلب حوائجك ممن أغلق دونك أبوابه، وجعل دونك حجَّابه، وعليك بمن أمرك أن تسأله، ووعدك الإجابة". (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم).
 ولتكن مستمتعًا دومًا بتطهير روحك برياض العبادة وبساتين الذكر، وغسلِ قلبك بالسجود والخضوعِ والضراعة، وعينِك بالتفكر والرقائق والدموع، وصدرِك بمحبة الخير للناس والشفقة عليهم والإحسان إليهم، وبطنِك بكثرة الصيام والصدقة وأكلِ الحلال. وواهًا لمن جمعها.
اللهم صل على محمد..


الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

(وظنُّوا ألّا ملجأ من الله إلّا إليه)


(وظنُّوا ألّا ملجأ من الله إلّا إليه)
الحمد لله ربِّ العالمين على كل حال، المتفضلِ على عباده بجلائل النّعمِ الكبيرِ المتعال، المتصفِ بالعزة والعظمة والجلال. (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) نحمده تبارك وتعالى بالغدو والآصال، ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلمات الشك والشرك والضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد فالمثيلُ محال، المعبودُ الحقُّ وقد سجدت له الشخوصُ والظِّلالُ، القاهرُ فوق عباده، القويُّ شديدُ المِحال، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله كريمُ الخصال، النورُ الهادي لأمته والمُنقِذ لهم بإذن ربه من الضلال، سيدُ ولدِ آدمَ بحقٍّ والشفيعُ يومَ الأهوال، الصبرُ رداؤه والحياءُ إزاره والحِلمُ تاجه وليس له في الناس مثال، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى الصحب والآل، أما بعد فيا عباد الرحمن:
اتقوا الله تعالى واعتصموا به وفرّوا إليه والجأوا إليه، وكونوا كما كان الصحابةُ: (وظنُّوا ألّا ملجأ من الله إلّا إليه).
 فاللجأ إلى الله تعالى من لوازم العبودية لله تعالى, ومن سيما المؤمنين, وشيم الصالحين, به يُحفظ المؤمن في دينه ودنياه, وبه يُحرس المؤمن من قِبَلِ الحارسِ الذي لا ينام, والقيومِ الذي لا يغفل, والربِّ الذي لا يُهمِل, وبه يُعان من ربه في كل ما أهمّه, وبه يُرزق في دينه ودنياه, وأُولاهُ وآخرته.
فالعبد في هذه الدنيا تكتنفه المتالف من كل جهة, والأعداء من كل مكان – خلا فوقَه – فإن لم يحفظه ربُّه فالضيعةُ ملازمة لمسيره, والهلكةُ متضمنة لمصيره, فلا عاصمَ إلا الله, ولا حافظ إلا الله, ولا هادي إلا الله, ولا إله إلا الله.
قال ربنا تبارك وتعالى في وصف المؤمنين المتعلقين به دون سواه، الهاربين منه إليه: (وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) هذه الآية الكريمة العظيمة وصفت حال المؤمنين الملتجئين إلى الله تعالى بيقين لا يهتزّ ولا يتزعزع, وهذا الالتجاء يزيد حال الشدة ولا ينقص حال الرخاء, ورُبَّ حالٍ يظنّه المرءُ رخاءً وهو أشدّ الشّدة! وذلك كحال النعماءِ بعد الشدة, فكم من مؤمن يصبِر حال الشدة ويَضيعُ ويغفل حال النعمة والرخاء, لذلك فمن صفات المؤمن الصالح دوامُ التجائه إلى ربه تبارك وتعالى, فهو مع الله في رخائه وشدّته, يلجأُ إليه إن خاف غِشيانَ معصية أو كسلًا عن طاعة, أو قَتَرَ غفلةٍ أو وَهَجَ شهوةٍ أو كُلُوحَ خِيفة, فهو مُوقنٌ أنه لا غنى له إلا بالله، ولا حافظ له إلا الله, ولا ملجأ له إلا إليه, وهناك يلقى الأمنَ والحفظ والكلأةَ والستر والسعادة. 
عباد الله: في تأملِ السيرةِ العطرة الشريفة للهادي البشير صلواتُ الله وسلامه وبركاته عليه دروس وعبر، تُربّي قلبَ المؤمن على صدق الالتجاء لربّه تبارك وتعالى. فحياتُه كلُّها التجاء لله وإحسانُ عبوديةٍ له سبحانه.
ومن ذلك خبرُ ذهابه لدعوة أهلِ الطائف في شوالَ سنةَ عشرٍ للنبوة, فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشيًا على قدميه, ومعه مولاه زيدُ بنُ حارثة, كلما مرَّ على قبيلةٍ في الطريق دعاهم إلى الإسلام فلم يجبه أحد, ووصل إلى الطائف فعمد إلى ثلاثةِ أخوةٍ من رؤساء ثقيف, وهم عبدُ يالِيلِ ومسعودٍ وحبيبٍ أبناءِ عمرو بن عميرٍ الثقفي, فجلس إليهم ودعاهم إلى الله ونُصرة الإسلام, فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة: إن كان الله أرسلك! وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا, إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك, ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك, فقام عنهم رسول الله وقال: "إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني" (1).
وأقام في الطائف عشرةَ أيامٍ, لا يَدَعُ أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه, فقالوا: اخرج من بلادنا, وأَغروا به سفهاءَهم, فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به, حتى اجتمع عليه الناسُ فوقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة, ويسبونه ورجموا عراقيبه, حتى اختضبت نعلاه بالدماء, وزيدُ بنُ حارثة يقيه بنفسه, فأصابه شِجَاجٌ في رأسه رضي الله عنه.
ولم يزل أولئك السفهاءُ بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى ألجأوه إلى حائط لعتبةَ وشيبةَ ابني ربيعة, على ثلاثة أميال من الطائف، فرفع كفيه، ورُوي أنه دعا ربه بقوله: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي, وقلةَ حيلتي, وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين, أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربي, إلى من تكلني, إلى بعيد يتجهمني, أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري, إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلَح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبَك, أو يَحلَّ عليَّ سخطُك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك"(2).
فلما رآه ابنا ربيعةَ تحركت له رحِمُهُما -لأنّهما قرشيان- فدعوا غلامًا لهما نصرانيًّا, يقال له عدَّاس, وقالا له: خذ قِطفًا من هذا العنب واذهب به إلى هذا الرجل, فلما وضعه بين يدي رسول الله مدّ يده إليه وهو يقول: "بسم الله" ثم أكل, فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهلُ هذه البلاد, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أي البلاد أنت؟" قال: أنا نصراني, من أهل نينوى, فقال رسول الله: "من قرية الرجلِ الصالحِ: يونسَ بنِ متّى؟" قال له: وما يدريك ما يونسُ بنُ متّى؟ قال: "ذاك أخي, كان نبيًّا وأنا نبي" فأكبّ عدّاسٌ على رأس رسول الله ويديه ورجليه يقبّلُهما (3).
ورجع رسول الله في طريقه إلى مكة, وهو في غاية الالتجاء لرب العالمين, قد تبرّأ من حوله وطَوله وقوّته والعالمين، ولجأ لقيومِ السماواتِ والأرضين ومدبّرِ الكون وَفْقَ رحمته وحكمته سبحانه. روى البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ عليك من يوم أحد؟ قال: "لقيتُ من قومكِ ما لقيت, وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يومُ العقبة, إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ ياليلِ بنِ عبدِ كِلالٍ فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب, -وهو ميقات السيل- (4) فرفعت رأسي, فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني, فنظرتُ فإذا فيها جبريل, فناداني فقال: إن الله قد سمع قولَ قومك لك, وما ردّوا عليك, وقد بعث الله إليك ملكَ الجبال لتأمُرَهُ بما شئتَ فيهم, فناداني مَلَكُ الجبال, فسلّم عليّ, ثم قال: يا محمد, ذلك فما شئت؟ إن شئت أن أطبقَ عليهم الأخشبين" وهما جبلا مكة يحيطان بها, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يُخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبدُ الله عز وجل وحده لا يشركُ به شيئًا" (5).
الله أكبر! هكذا كانت إجابة النبيِّ الرؤوفِ الرحيمِ بأمته, الحليمِ الحكيمِ بإذن ربه. فمع كلِّ ما قابله من تكذيبٍ وتحريشٍ وأذى يقولُ: "بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبدُ الله وحده لا يشرك به شيئًا". ولا عجب، فهو الرحمة المهداة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. وقد استجاب الله دعاءه وكان عند حسن ظن عبده به, سبحانه وبحمده.
عباد الرحمن: الملتجئُ لربه لا يخيب, والمفتقرُ لغناه لا يحتاج لغيره, والمتوكلُ عليه يكفيه عما سواه, والمعتصم به يحفظه ويحوطه. وتأمل لجوءَ نبي الله صلوات الله وسلامه عليه لربه في بدر, وهي أعظمُ معركةٍ في التاريخ بإطلاق, وفيها من ظهورِ التجاءِ نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى رب العالمين, وتعلِّقِه به وضراعته إليه ما يكفي السائرين على سنته والمقتفين أثره.
واعلم - يا عبد الله - إن الفلاحَ بحذافيره منوطٌ بالتوحيد, والهلاكَ بالشرك, ويا نفسُ أخلصي تتخلصي, (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت)
قال ابن الجوزي رحمه الله: "يا مخدوعًا قد فُتن! يا مغرورًا قد غُبِن! من لك إذا سُوّي عليك اللّبن؟
أنت في دار شتاتٍ       فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيومٍ     صمته عن شهواتك
وليكن فطرك عند الله     في يوم وفاتك
إخواني! العمر أنفاسٌ تسيرُ بل تطيرُ، والأملُ منامٌ لا تُرى فيه إلا الأحلامُ، هذا سيف الموت قد دنا، هذا الرحيلُ ولا زاد عندنا، انتبهوا من رُقاد الغفلةَ.
أولُ منازلِ الآخرةِ القبرُ، فمن مات فقد حَطَّ رَحْلَ السفر، وسائرُ الورى سائر.
من كان في سجن التّقى فالموت يطلقهُ، ومن كان هائمًا في بوادي الهوى فالموت له حبس يُوثقه.
من كان واثقًا بالسلامة من الجناية فرح بفكّ باب السجن «والدنيا سجن المؤمن» (6).
لما توعّد فرعونُ السحرةَ بالصلبِ أنساهم أملُ لقاءِ الحبيبِ مرارةَ الوعيد ﴿قالوا إنا إلى ربنا منقلبون﴾ يا فرعون! غايةُ ما تفعل تُحرق الخِيم والركب قد سرى ﴿ إنا إلى ربنا منقلبون ﴾ من لاحت له منًى نسي تعب المَدْرَج.
متى رُفعت لها بالغور نار      وقرّ بذي الأراك لها قرارُ
فكلُّ دمٍ أراق السير منها      بحكم الشوق مطلولٌ جُبارُ(7)
لابد للمحبوب من اختبار المحبّ ﴿ولنبلونكم﴾.
أسلم أبو جندل بن سهيل فقيّدَهُ أبوه، فلما نزل رسول الله ﷺ الحديبيةَ خرج أبو جندلٍ يرسُفُ في قيده، فدخل في الصحابة، فقال سهيلُ: هذا أوَّلُ من أقاضيكَ عليه، فاستغاث أبو جندل: يا معشر المسلمين، أُردُّ إلى المشركين فيفتنوني عن ديني، فقال رسول الله ﷺ: «وإنا لا نغدر بهم» (8) فرُدَّ إليهم، فَقَدَمُه يسعى إليهم، وقلبُه يُجهّزُ جيوشَ الحيل في الخلاص، فخلّصهُ الله.
لما أسلم مصعب بن عميرٍ حبسهُ أهلُه، فأفلت إلى الحبشة، ثم قَدِمَ مكة، فدخل على رسول الله ﷺ، فأرسلت إليه أمه: يا عاقُّ! أتدخل بلدًا أنا فيه ولا تبدأ بي؟ فقال: ما كنتُ لأبدأ بأحدٍ قبلَ رسول الله ﷺ، فأرادت حبسه، فقال: والله لئن حبستني لأحرصنّ على قتل من يتعرّض لي، فتركَتْهُ.
عذّبوا بلالًا فأصرّ على الصبر، فسلّموه إلى صيبانهم في حديدة يصهرونه في حرّ مكة، ويضعون على صدره وقت الرمضاء صخرة، ولسان محبته يقول:
بعينيكَ ما يلقى الفُؤادُ وما لقي        وللشوقِ ما لم يبقَ منّي وما بقي
قَدِمَ الطفيلُ الدّوسيُّ مكة، فقالت له قريشٌ: لا تدنُ من محمد، فإنا نخافُ أن يفتنك، فسدَّ أُذنيه بقطنتين، ثم تفكّر، فقال: والله ما يخفى عليَّ الحَسَنُ من القبيح، فانطلق فسمع من رسول الله ﷺ فأسلم.
قطعتْ قريشٌ لحمَ خبيب، ثم حملوه إلى الجذع ليُصلب، فقالوا: أتُحبُّ أن محمدًا مكانك؟ فقال: والله ما أحبّ أني في أهلي وولدي، وأن محمدًا شِيكَ بشوكة، ثم نادى: وامحمداه! (9).
لما بُعث معاذُ إلى اليمن خرج الرسول ﷺ يُودّعهُ، ودموع معاذٍ ترشُّ طريق الوداع.
كانت الدنيا بمثلهم عَسَلًا، فتعلقمت بمثلنا، خَلَتِ الديار من الأحباب، فلمّا فرغت رُدِمَ الباب".
اللهم أن رحمتك أرجى من أعمالنا، ومغفرتَك أوسعُ من ذنوبنا، فاغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم. واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
............................
الخطبة الثانية
الحمد لله...
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ولْتحذر أيها الملتجئُ لربك من مبارزته بالمعاصي في الخلوات, فهي من أسباب الشقاء وذرائع الهلكات, "قال إبراهيم التيمي: كنت كثير التردد إلى المقابر أذكر الموت والبلى, فبينما أنا ذات ليلة بها إذ غلبتني عيناي فنمت, فرأيت قبرًا قد انشقّ, وسمعت قائلًا يقول: خذوا هذه السلسلة فاسلكوها في فيه, وأخرجوها من دبره! وإذا الميت يقول: يا رب ألم أكن أقرأ القرآن, ألم أحج بيتك الحرام؟ وجعل يعدد أفعال البر شيئًا بعد شيء، وإذا قائل يقول: كنت تفعل ذلك ظاهرًا، فإذا خلوت بارزت الله بالمعاصي ولم تراقبه.
وعن عبد الله بن المديني قال: كان لنا صديق فقال: خرجت إلى ضيعتي, فأدركتني صلاة المغرب, فأتيت إلى جنب مقبرة فصليت المغرب قريبًا منها، فبينما أنا جالس إذ سمعت من جانب القبور أنينًا, فدنوت إلى القبر الذي سمعت منه الأنين وهو يقول: آه قد كنت أصوم, قد كنت أصلي, فأصابني قشعريرة، فدعوتُ من حضرني فسمع مثل ما سمعت.
 ومضيت إلى ضيعتي، ورجعت - يعني في اليوم الثاني - وصليت في موضعي الأول, وصبرت حتى غابت الشمس وصليت المغرب, ثم استمعت إلى ذلك القبر, فإذا هو يئن ويقول: آه, قد كنت أصلي, قد كنت أصوم، فرجعت إلى منزلي ومرضت بالحمى شهرين.
قال ابن حجرِ الهيتمي رحمه الله معلقًا: قد وقع لي نظير ذلك، وذلك أني كنت وأنا صغير أتعاهدُ قبرَ والدِي رحمه الله, فخرجت يومًا بعد صلاة الصبح بغلس في رمضان، بل أظن أن ذلك كان في العشر الأخير, بل في ليلة القدر، ولم يكن بالمقبرة أحد غيري، فإذا أنا أسمع التأوه العظيم والأنين الفظيع بآهٍ آهٍ آه, وهكذا بصوت أزعجني مِن قبر مبنيٍّ بالنورة والجُصِّ, فاستمعت فسمعت صوت ذلك العذاب من داخله, وذلك الرجل المعذب يتأوه تأوهًا عظيمًا بحيث يُقلقُ سماعُه القلبَ ويفزعه, فاستمعت إليه زمنًا، فلما وقع الإسفار خفي حسُّه عني، فمر بي إنسان فقلت: قبرُ من هذا؟ قال: هذا قبر فلان, لرجل أدركتُه وأنا صغير، وكان على غايةٍ من ملازمة المسجد والصلواتِ في أوقاتها والصمتِ عن الكلام!
وهذا كلُّه شاهدتُه وعرفته منه, فكبُرَ عليَّ الأمرُ جدًّا لِمَا أعلمُه من أحوالِ الخير التي كان ذلك الرجل متلبّسًا بها في الظاهر، فسألتُ واستقصيت الذين يطّلعون على حقيقة أحواله فأخبروني أنه كان يأكلُ الربا، فإنه كان تاجرًا ثم كبُرَ وبقي معه شيء من الحطام، فلم ترض نفسه أن يأكلَ من جنبه حتى يأتيه الموت, بل سوَلَ له الشيطان محبة المعاملة بالربا حتى لا ينقص مالُه, فأوقعه في ذلك العذاب الأليم حتى في رمضان حتى في ليلة القدر" (11). فلا إله إلا الله ونعوذ به من غضبه وعقابه. اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، والحمد لله رب العالمين.
............................
(1)  رواه ابن إسحاق (2/419)
(2)  سيرة ابن هشام 2/420) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (6/35) قال الهيثمي (6/35): فيه ابن إسحاق، وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الالباني في السلسلة الضعيفة ( 6/489 ) قلت: والحديث وإن كان في سنده كلام لتدليس ابن إسحاق, إلا أن معانيه عظيمة شريفة وتلوح عليه أنوار النبوة بأصدق ابتهال وأخلص دعاء وأجمل معنى.
(3)  ابن إسحاق (2/421)
(4)  ويسمى قرن المنازل, وهو ميقات أهل نجد والمشرق, ويسمى حاليّاً: السَّيل.
(5)  البخاري (3231)
(6)  رواه مسلم (1763)
(7)  مطلول: مهدور، جبار: هدر.
(8)  أحمد (19423)
(9)  انظر قصته في يوم الرجيع، سيرة ابن هشام 2/172 وهذا النداء من باب الوجد والمحبة، وهو معتاد في لسان العرب، وليس مقصوده الاستغاثة والشرك بحال – وحاشاه -.
(10)                    القائل هو المؤلف، أعني به: ابن حجر الهيتمي رحمه الله.
(11)                    الزواجر عن اقتراف الكبائر, للهيتمي (1/  31 -34) باختصار وتصرف يسير.