إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 26 سبتمبر 2019

لقاء الله تعالى


لقاء الله تعالى
منقول بتصرف وزيادة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
أما بعد: عباد الرحمن هل تساءلتم يومًا كيف يأتي الله تعالى يوم القيامة للقاء العباد؟
فإن بيننا وبين الله موعد، فما هو الموعد الذي بيننا وبين الله، وماذا سيكون في ذلك الموعد الذي بيننا وبين الله؟ إنه موعد جدير بالتأمل والتفكر، إنه إذا لم نتفكر في هذا الموعد لا تنصلح قلوبنا، ولا تستقيم أعمالنا، لقد وعدنا الله موعداً، فقال عز وجل: (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت) وقال: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) وقال: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقال: (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين).
إنّ بيننا وبين ربنا موعدًا حدثنا عنه فيه كتابه، وحدثنا عنه نبيه ﷺ، يوم نلاقي فيه الله، فماذا سيحدث بيننا وبين الله؟ تعالوا عباد الله نستعرض شيئاً نحيي به قلوبنا، ونزيل به ران المعاصي.
أولاً سنحشر جميعاً يوم القيامة، ثم سيأتي الله تعالى للقائنا، إنه سيلاقينا (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) يجيء الله تعالى والملائكة صفوفاً صفاً بعد صف، فيأتي للفصل بين الخلائق، وعند ذلك يستشفع الناس إلى الأنبياء من أولهم -من آدم عليه السلام -إلى آخرهم محمد ﷺ، يسألون أولي العزم من الرسل، واحداً بعد واحد، كلهم يقول: لست بصاحب ذاكم، حتى ينتهون إلى محمد ﷺ فيقول: أنا لها . وأدلة مجيء الله عز وجل في القرآن والسنة متوافرة، قال الله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ) سيأتي الله في ظلل، كما قال ابن عباس: في طاقات من الغمام، والملائكة معه، إتيانُ الجنودِ مع الملك إتياناً تنخلع له القلوب. إتيانُ الله تعالى إتيانٌ عظيم، عند ذلك يبلس المجرمون، ويُسقطَ في أيديهم، وإذا جاء الله وكانت السماوات والأرض قد أظلمت، ليس هناك شمس ولا قمر ينير، ولا نجوم تضيء، كلها قد كسفت، وطُمست، ولم يبق لها نور، وبقي الناس في ظلمة عظيمة، فإذا جاء الله أشرقت الأرض بنور ربها، قال الله عز وجل: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ)
 عباد الله؛ إذا كان يوم القيامة ينزل الله إلى العباد ليقضي بينهم، وكلُّ أمةٍ جاثيةً. يجمعهم جميعاً مؤمنَهم وكافرَهم، حُرَّهم وعبدَهم، صغيرَهم وكبيرَهم، إنسَهم وجنَّهم، ووحشَهم وطيرهم، حتى الذرَّ والنمل. (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) تتناثرُ النجوم، وينطمس ضوء الشمس والقمر، وتشتد الظلمة، ويعظم الأمر، ثم تنشق السماء على غلظها وصلابتها، فتسمع الخلائق لانشقاقها صوتاً عظيماً، فظيعاً، تندهش لهوله الألباب، وتخضع لهيبته الرقاب، ثم ينظرون إلى الملائكة هابطين من السماء يحيطون بأرض المحشر، التي مُدّت مد الأديم، وجُمع الخلائق فيها بصعيد واحد، وأهلُ السماء أكثر من أهل الأرض أضعافاً مضاعفة، يتقاطرون من أقطار السماوات إلى أرض المحشر، يحيطون الناسَ إحاطةً بعد إحاطة.
 والخلقُ يفزعون إلى الملائكة، كلما جاء فوج يسألونهم: أفيكم ربُّنا، أفيكم ربنا؟ وهكذا حتى يأتيَ اللهُ تعالى معه الفوج الأخير من الملائكة.
 هذه الإحاطة العظيمة إذا رآها الناسُ هربوا، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوف الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قول الله: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصم) ويقول الله تعالى متحدياً للناس أن يهربوا من أرض المحشر: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَان) وليس هناك سلطانٌ إلا سلطانُ اللهِ تعالى، يأتي الله في ظُلَلٍ من الغمام ليجازي كلَّ عامل بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله  ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
 وتُشرقُ الأرضُ، ويَبرزُ الرحمن لفصل القضاء بين الخلق، يأتيهم الله عز وجل بنفسه سبحانه وتعالى، يأتيهم ليفصل بينهم.
فإذا جاء الله تعالى يراه أهل المحشر، ثم يحتجبُ عن الكفار، فيشعرون بأشدِّ الحسرة والندم أن حجبوا عن الرب، وأما المؤمنون فإنهم كما قال ربهم: (وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة) وقال الله: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) وقال: (لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) فهذه الآيات في رؤية الرب عز وجل.
 روى مسلم في صحيحه عن صهيب أنه قال: "قرأ رسول الله ﷺ: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) قال:  إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنة، وأهلُ النارِ النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً ويريد أن ينجزْكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلْنا الجنة، ويزحزحْنا عن النار؟ فيكشفُ الحجاب فينظرون إلى الله، فما أعطاهم شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة" .
 والنظر إلى الله تعالى ورؤيتُه يكون كما قال النبي ﷺ عن يوم القيامة فيما رواه الشيخان: "يقال للعباد: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تعالى.
 وقال: ينادي منادٍ: ليذهبْ كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يعبدون، فيذهبُ أصحابُ الصليبِ مع صليبهم، وأصحابُ الأوثان مع أوثانهم، وأصحابُ كلِّ آلهةٍ مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغُبّراتٌ من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تَعْرِضُ كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم، ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا منادياً ينادي ليلحق كلُّ قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربَّنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورةٍ غيرِ صورته التي رأوه فيها أولَ مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا! فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه؛ فيسجد له كلُّ مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياءً وسمعه، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً. كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه".
عباد الله: قال النبي ﷺ: "يحشرُ الله العبادَ فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قَرُبَ: أنا الملكُ أنا الديان". وقال النبي ﷺ: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه تَرجُمان فينظرَ– أي العبد – أيمنَ منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظرَ أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظرَ بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". رواه البخاري.
وقال النبي ﷺ: "يدنو أحدكم من ربه، حتى يضع كنفه عليه – أي سِتره - فيقول: أعملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول له: إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم". اللهم اجعلنا من أهل سترك يا ستير.
ومن أعظم نعيم أهل الجنة كلامُ الله تعالى لهم وقوله: "أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً. ثم يكشف لهم عن وجهه تبارك وتعالى، فما أعطوا شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إلى وجه ربهم الكريم، وبعض الناس سيحرمون من كلام الله معهم، الكلام الذي يدل على الرضا والسرور، ويوبخون بكلام الحساب، والتشديد عليهم، فعندما يكرم المؤمنون بالكلام معهم، لا يتكلم الله مع الكفرة والفجرة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ويقول لأهل النار: (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُون) فقوله: (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ) أيِ الكلامَ الذي يدل على رضاه، وإنما يكون قبل ذلك كلام توبيخ وتقريع، عياذا بالله تعالى.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل السعادة في ذلك اليوم، اللهم بيّض وجوهنا، وثقّل موازيننا، اللهم ارض عنا ووالدينا والمسلمين يوم نلقاك.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، أشهد أنه الحي القيوم، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، وهو ديان يوم الدين، والقائم على كل نفس بما كسبت، وهو الله الواحد القهار، خلق خلقه وهو أعلم بهم، وسيحاسبهم وهو خبير بهم سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والبشير النذير، والسراج المنير، وإمام الأنبياء، وقائد الغر المحجلين، والشفيع يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: قال ربنا جل وعلا: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) وقال الله: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وقال: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار) وقال: (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ). إنّ العرض: هو عرضُ الخلائق كلِّهم على ربهم سبحانه وتعالى، لا تخفى عليه منهم خافية، من يحاسَب ومن لا يحاسَب، وعرض آخر هو عرض معاصي المؤمنين عليهم ليقررُهم بها ثم يسترُها عليهم، وعرض آخر وهو عرض الحساب والمناقشة، ومن نوقش الحسابَ عذّب، فالذي يصل إلى مرحلة المناقشة فهو معذب، أما صاحب الحساب اليسير فهو الناجي في ذلك اليوم الهائل. ومنه إلى جنات النعيم، ومن الناس من يدخلَها مباشرة بلا حساب نسأل الله الكريم لنا جميعا ولوالدينا وأحبابنا والمسلمين من ذلك الفضلِ العظيم.
اللهم صل على محمد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق