المخدرات
والمسكرات
منقولة بتصرف
الحمد لله ذي الرضا المرغوب، يعفو ويصفح
ويغفر الذنوب يملي ويمهلُ لعل العاصي يتوب، يعطي ويرضى ويحقق المطلوب. يُطعم ويَسقي
ويسترُ العيوب، يغني ويشفي ويكشفُ الكروب، نحمده تبارك وتعالى ونعوذ بنور وجهه الكريم
من شر الوسواس الكذوب، ونسألُه السلامةَ فيما مضى وما يأتي من خطوب. وأشهد أن لا إله
إلا الله ذو الجناب المرهوب. خلق السماوات والأرض في ستة أيام وما مسه من لغوب. يضلُ
من يشاء، ويهدي من يشاء، ويقلب الأبصار والقلوب. وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله
ذو المقام الموهوبِ، وهو الصفيُّ المحبوب. مَن خُلُقُه مكارمُ الأخلاق، وباتباعِ سنته
تتسعُ الأرزاق، من أطاعه فقد أطاع الله، ومن تبع نهجه فقد أرضاه، صاحبُ لواء الحمد،
والمنفردُ بين الأنام بالثناء حين الجِّدِّ، صاحبُ الشفاعة العظمى، وله المقام الأسمى،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه عدد الرمال والحصى، وكلما أطاعه عبد أو عصى. ونوّر بصلاتنا
عليه بصائرنا والقلوب.
أمّا بعد: فإنّ أصدق الحديث كتاب الله،
وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة،
وإن خيرَ ما يوصى به هو التقوى، فهو الزاد الذي به الإيمان يقوى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ
خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
ثمّ تأهّبوا للقاء الله العظيم، فها هي
الأيام تجري سِراعًا، والشهور تمضي تِباعًا، والقبور مُشرَعةٌ أفواهُها، والمصيرُ محتومٌ،
والأجلُ مكتوم، فرحم الله عبدًا تأهّب للخاتمة، وجعل دنياه لدينه خادمةً، (وَمَنْ أَرَادَ
الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ
مَشْكُورًا)
أيّها المسلمون: لقد كرّم الله الإنسان
بالعقل، وجعله مناطَ التكليف، وأحاطه بالخطاب والتنبيه في القرآن والحديث الشريف.
بالعقلِ تميّزَ الإنسانُ وتكرّم، وترقّى
في شأنه وتعلّم، جعله الشارعُ الحكيمُ ضرورةً كبرى، وشرع لصيانتِه الحقَّ والحدّ،
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70].
بالعقلِ يُميّزُ الإنسانُ بين الخير والشرّ
والنفع والضرّ، وبه يتبيّنُ أوامرَ الشرع ويَعرفُ الخطابَ، ويردُّ الجوابَ ويسعى في
مصالحه الدينيّة والدنيويّة، فإذا أزال الإنسان عقله لم يكن بينه وبين البهائم فرق،
بل هو أضلُّ منها (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) [الفرقان: 44]. بل قد يُنتفع بالحيوان؛
أما الإنسان فلا يُنتفع به بعد زوال عقله، بل يكون عالةً على غيره، يُخشى شرّه ولا
يُرجى خيره.
ومع كلِّ ذلك فقد أبى بعض التائهين إلاّ
الانحطاطَ إلى درَك الذلّة والانحدارَ إلى المهانة والقِلّة؛ فأزالوا عقولَهم معارضين
بذلك العقل والشرعَ والجِبِلّة؛ وذلك بتعاطي الخمورَ والمسكرات، والمفتّرات والمخدّرات.
فأيها المسلمون: من أفظعِ أفاتِ المجتمعات
اليومَ المسكراتُ والمخدّرات، أمُّ الخبائث وأمّ الكبائر وأصلُ الشرور والمصائب، شتَّتتِ
الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وسبّبت السرقات، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار،
وأنتجت كلّ بليّةٍ ورذيلة.. أجمع على ذمّها العقلاء منذ عهد الجاهليّة، وترفّع عنها
النبلاء من قبلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلام ذمّها وحرّمها ولعنها، ولعن شاربَها وعاصرها
ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ).
بيّن الله تعالى مفاسدَ الخمر، وأنها رجسٌ
ونجَس، وأنها توقعُ العداوةَ والبغضاء، وتصدُّ عن الصلاة، وتصدّ عن ذكر الله، وأنها
سببٌ لعدم الفلاح.
والخمرُ المحرّمةُ هي كلُّ ما خامر العقل
مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مسكرٍ
خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ" رواه مسلم، وفي الصحيحين أن النبيَّ صلى الله عليه
وسلم قال: "كلُّ شرابٍ أسكر فهو حرامٌ"، وعن جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر
أن يسقيَه من طينةِ الخبال"، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال:
"عرقُ أهل النار" أو: "عصارة أهل النار" رواه مسلم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبيَّ
صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في
الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب؛ لم يشربها في الآخرة" رواه مسلم وروى أحمد بسندٍ
صحيح أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مُدمن الخمر إن مات لقِيَ الله كعابدِ
وثنٍ".
إنّها نصوصُ زجرٍ ووعيدٍ وتخويفٍ وتهديدٍ
يقفُ عند حدّها من يعلَم أنه محاسَبٌ غدًا أمامَ الله العظيم.
عبادَ الله: والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من
الخمر؛ فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمر
في الإسكار، وتزيد عليها في كثرة الأضرار.
وقد أجمعُ الناس كلّهم من المسلمين والكفّار
على ضررِ المسكرات والمخدّرات، ووبالِها على الأفراد والمجتمعات، وتنادت لحربها جميع
الدول.
أيها المسلمون: نتحدّث عن المسكرات والمخدّرات
في وقتٍ ضجّت بالشكوى فيه البيوت، واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشره، وأحالت حياتَهم
جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكي وأمٌّ تبكي، وزوجةٌ حيرى وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى،
ومن عوفي فليحمدِ الله.
المخدّراتُ تفسدُ العقل وتقطعُ النسل وتورثُ
الجنون وتجلب الوساوس والهموم، وأمراضًا عقليّةً وعضويّة ليس لها شفاء، وتجعلُ صاحبَها
حيوانًا هائجًا ليس له صاحبٌ، وتُرديه في أَسوَأ المهالك.
وما تفكّكتِ الأسَر إلاّ من أثرها، وتفشّتِ
الجرائم إلا بسببها، ومع غلائها فإنّ مروِّجَها من أفقر الناس وأتعسهم حالاً. فمالُها
ممحوقُ البركة ومرَوِّجُها من أسفلِ الناس قدرًا وأدناهم مروءةً.
أمّا متعاطيها: فإنّها لا تزالُ تستنزف
مالَه حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبحَ أسرتُه عالةً
يتكفّفون الناس، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جرعَةِ مخدّر أو شَربةِ مسكرٍ، فهل
من قلوبٍ تعي أو عقولٍ تفكّر في النهاية الموحشة والآثار المدمّرة لهذه البلايا؟! مع
فَقدِ الدين وضياعِ الإيمان، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن"، وقد قال عثمان بن عفان: "إنه
-والله- لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر"
رواه النسائي.
عباد الله: لانتشار هذا الوباء أسبابٌ وبواعث؛
منها ضَعف الإيمان، وكثرةُ المعاصي، ووسائلُ الإلهاء والتغفيل؛ فأبعدت الناس عن هدي
الله وذكره، وهوّنت عليهم ارتكاب أيَّ محظور، وأنتجت قلّةَ الخوف من الله، فلا يفكّر
أحدُهم في عذاب الآخرة ولا عقابِ الدنيا، ومن لم يكن له دينٌ قويّ يمنعه أو حياءٌ
يحجِزُه؛ فلا عقلَ ينفعه، ولا زجرَ يردعه.
والفراغُ القاتل والبطالة سوقٌ رائجة للمخدّرات
والمسكرات، سيّما عند الشباب، خاصةً عند مصاحبةِ أصدقاء السوء ورفاق الشرّ، يهوّنون
عليه الأمر ويجرّئونه على المنكر، ويزيّن الشيطان له المتعةَ الموهومةَ والهروبَ من
الواقع، إنّ هذا الهروب ليس إلا غيبوبةً يَعقُبُها صحوٌ أليم، وتنقل ذويها إلى عالم
التبلّد والبلاهة، ثمّ تأتي إفاقةٌ مضاعفةٌ الحسرة.
وتحمل وسائلُ الإعلام عبئاً كبيرًا من مسؤوليّة
ذلك، حين تعرض البرامجُ والمسلسلاتُ شربَ الخمر وقوارير الخمر على أنّه أمرٌ طبيعيّ
ومن خصائص المجتمعات الراقية، (وليحمِلُنَّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليُسئلن
يوم القيامة عما كانوا يفترون).
وربما سافر ضعيف الإيمان رقيق الدين إلى
بلاد الكفر والفجور؛ فوقع في الخمر، ثم عاد لبلده باحثًا عنها.
أيها المسلمون: إنّ أعداءكم لا يألونكم
خبالاً، (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا
تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) قد اتَّخذوا المسكراتِ والمخدّرات سلاحًا فاتكًا للسيطرة
والعدوان، واستلاب العقول والأموال.
إنّ بلادَ الإسلام تواجه هجومًا شرسًا من
جهاتٍ مشبوهة بخططٍ وأهداف بعيدة المدى؛ لتهريب المخدّرات وترويجها بين أبناء المسلمين؛
لتحطيم البلاد كلِّها اجتماعيًّا واقتصاديًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا وفي كلّ المجالات،
حتى أضحت حربُ المخدّرات أحدَ أنواع الحروب المعاصرة الخطيرة.
ومع ما سنّته البلادُ مشكورةً من عقوباتٍ
رادعةٍ؛ فلا زال طوفانُ المخدّرات المدمّر تئنُّ منه خفايا البيوت وأروقةُ المحاكم
وجدرانُ السجون؛ ممّا يُنبيك عن غَور الجرح وعمق المأساة.
وبعد هذا -أيُّها المسلمون-: فإنّ الحديثَ
عن تفشي المسكرات والمخدّرات ونِسَبها وآثارها وقصصها ومآسيها لهو حديث مؤلم، ولكن
السكوت عنه لا يزيد الأمرَ إلا إيلامًا؛ لذا فلا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراكِ
حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته؛ للحدِّ من هذا الوباء
وصدِّه قبل استفحال الداء.
لا بدّ من تنمية الرقابةِ الذاتيّة بالإيمان
والخوف من اللهِ في قلوبِ الناس عامّةً والناشئة والشّباب خاصّة، ولن يردع البشرَ شيءٌ
كوازع الدِّيانة. (ألم يعلم بأن الله يرى).
لا بدّ من تكثيفِ التوعية بأضرار المسكرات
والمخدّرات والعنايةِ بالشباب وملءِ فراغهم بما ينفعهم وينفع مجتمعهم.
واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفةُ
كلِّ مسلمٍ، ولو ائتمرنا بيننا وتناهينا ونصحنا وتناصحنا؛ لما وجَدَ الشيطان سبيلاً
إلى ضعيفٍ بيننا. (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا
يفعلون).
لا بدّ أن يتكاتفَ أفرادُ المجتمع مع الجهاتِ
المسؤولة على نبذِ المروّجين والتبليغِ عنهم، والحذرِ من التستّرِ عليهم أو التهاونِ
معهم، أما المُبتلى بالتعاطي فهو مريضٌ بحاجةٍ إلى المساعدة الحازمة ولو بالقوة
والقهر، لا إلى مجرّد الشفقة والسكوت السلبيّ حتى لا يُفيق أهلُه يومًا منه بكارثة
في نفسه أو غيره. "وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".
بارك الله لي ولَكم في القرآنِ والسنّة،
ونفعَنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم
........................
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أحلّ الطيبات وحرّم الخبائث،
أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ
له، وأشهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى الآل والصحبِ الكرام،
وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد: فيا أيّها المسلمون: اتقوا
الله حق تقاته، واعلموا أن التدخين بوّابةُ المخدّرات، وضررُه على الدين والبدن والمال
بيِّنٌ ظاهر، ولا يجادل فيه إلا مكابر. أفتى العلماءُ بتحريمه، وتنادَتِ المنظّماتُ
العالميّة بتجريمِه، واتَّفق الأطباء على ضرره، وأنه سببٌ رئيسٌ للهلاك ولأمراضٍ مُرديةٍ
كثيرة كالسرطان وغيره.
وهذه المفتِّراتُ من الدخان والشيشةِ والقات
والشّمّةِ مع ما فيها من شرٍّ وضرّ فهي سببٌ للاجتماع على المفاسد والخلوةِ برُفقاء
السوء، والنُّفرة من أهل الخير والصلاح والوحشة منهم ومن مجالسهم، وهو أصلُ الأخلاق
الرديئة وسوء الطباع واللؤم والخيانة.
أيها المسلمون: النصيحة المكرّرة والوصيّة
المؤكّدة هي الحرص على الأبناء والبنات ومتابعتهم وملاحظتهم، ولا يعني ذلك حصارهم،
بل التربية والمراقبة والثقة والمتابعة، أمّا إذا كانت الثقة عمياء أو وضِعت في غير
محلّها؛ فإنّ نتاجَها الحسرةُ والندامة.
قال ابن القيم رحمه الله: خمرُ الدنيا تغتالُ
العقل، ويكثرُ اللغو على شربها، بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو، وتنزفُ المال،
وتصدعُ الرأس، وهي كريهة المذاق، وهي رجس من عمل الشيطان، توقعُ العداوة والبغضاء بين
الناس وتصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وتدعو إلى الزنا وربما دعت إلى الوقوع على البنت
والأخت وذوات المحارم، وتُذهب الغيرةَ وتُورث الخزي والندامة والفضيحة، وتُلحق شاربها
بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين، وتسلبه أحسنَ الأسماء والسمات، وتكسوه أقبحَ الأسماء
والصفات، وتسهّلُ قتلّ النفس وإفشاءَ السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه، ومؤاخاةُ
الشياطينِ في تبذيرِ المال الذي جعله الله قياما له ولمن يلزمه مؤنته، وتهتكُ الأستار،
وتُظهر الأسرار، وتدلُّ على العورات، وتهوّنُ ارتكابَ القبائح والمآثم، وتُخرج من القلب
تعظيمَ المحارم، ومدمنُها كعابد وثن، وكم أهاجت من حرب، وأفقرت من غنيّ، وأذلت من عزيز،
ووضعت من شريف، وسلبت من نعمة، وجلبت من نقمة، وفسخت من مودة، ونسجت من عداوة، وكم
فرقت بين رجل وزوجته فذهبت بقلبه وراحت بلبه، وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة، وكم
أغلقت في وجه شاربها بابا من الخير، وفتحت له بابا من الشر، وكم أوقعت في بليّة وعجّلت
من منيّه وأورثت من خزيّة، وجرّت على شاربها من محنة، وجرأتْ عليه من سِفْلَة، فهي
جماع الإثم ومفتاح الشر وسلّابة النعم وجلابة النقم، ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها
لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد لكفى، وآفاتُ الخمر أضعافُ أضعافِ ما ذكرنا، وكلُّها
منتفيةٌ عن خمر الجنة.
فاللهمّ احفظنا واحفظ علينا، وعافنا في
أنفسنا وفي ديننا وأهلنا، وقنا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، ورُدَّ ضالَّ المسلمين
إليك ردًّا جميلاً.
هذا وصلّوا وسلّموا على الرحمة المهداة
والنعمة المسداة محمد بن عبد الله رسول الله وخاتم أنبيائه.
اللّهمّ صلّ وسلّم وبارِك على عبدك ورسولك
محمّد، وآله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللَّهمّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ
الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمِنا مطمئنًّا وسائرَ بلاد
المسلمين. اللهم وفق وليَّ أمرنا ونائبَه وولاة أمر المسلمين لما تحبه وترضاه،
اللهم اجعلهم هداة مهتدين صالحين مصلحين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أعزَّ بهم
دينك وأعل بهم كلمتك وأقم بهم شريعتك، واجعلهم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر اللهم
أصلح الراعي والرعية يا سميع الدعاء يا رب العالمين.