إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 26 مارس 2023

فضل الصحابة وآل البيت

 

فضل الصحابة وآل البيت

 

نبذة مختصرة عن الخطبة:

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضل الصحابة وآل البيت"، والتي تحدَّث فيها عن بيت الله الحرام وشوق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى الحج والعمرة، ثم تكلم عن دولة الإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، وتطرَّق للكلام عن صحابته الكرام - لا سيما أهل بيته - رضي الله عنهم أجمعين -، وما يجب على كل مسلم من توقيرهم واحترامهم وإنزالهم منازلهم.

 

الخطبة الأولى

الحمد لله طاعته أشرف مُكتَسَب، وطاعته أعلى نسب، سبحانه وبحمده لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما سَلَب، وأشكره على مِنَحه العُظمى، ونعمه الكبرى تفوق عدَّ العادِّين وحساب من حَسَب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أرجو بها النجاة يوم تشتد الكُرَب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله عليُّ المقام وعالي الرُّتَب، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وأصحابه المتقين الأبرار، ومن إلى دين الحنيفية انتسَب، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فاتقوا الله - رحمكم الله - فالموعد يوم المعاد، والحشر يوم التناد، يوم يُنفخ في الصور، ويُنقَر في الناقور، أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرَّم الله، وصدق النية فيما عند الله، والسعيد من وُعِظ بغيره، والمال قد يجمعه غير آكله، ويأكله غير جامعه، والقوي من داوَم على طاعة الله، والضعيف من غلَبَته محارم الله، ورأس التقوى مخافة الله، ورأس الفضائل حفظ اللسان، ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 152].

 

معاشر المسلمين، حُجَّاج بيت الله الحرام:

في هذه الأيام تتوافَدُ وفود الرحمن وضيوفه إلى حرم الله، وإلى مسجد رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث تلتهب الأشواق إلى مهبط الوحي، وإلى طيبة الطيبة، إلى هذه البِقاع الطاهرة، والمشاعر المُعظَّمة، بقاعٍ ومشاعر قدَّسها الله وعظَّمَها، وخصَّها برسالته، ومتنزَّل وحيه، ومولد نبيه ومرباه، ومبعثه ومُهاجَره.

 

تتوافد هذه الحشود من كل بقاع الدنيا، من مشارق الأرض ومغاربها، يحملها البر والبحر والجو إلى مكة المكرمة: بيت الله، والمدينة المصطفوية: مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهنيئًا لهم الوفادة، وهنيئًا لهم الكرامة، وبُشراهم القبول.

 

وإن إخوانكم وأهلكم في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية ليُسعِدهم ويُشرِّفهم استقبالكم وخدمتكم والعناية بكم، فقادة البلاد، وولاة الأمر فيها، ورجال الدولة، وشعب المملكة يُرحِّبون بكم، ويهنِّئونكم، تستقبلكم القلوب قبل البقاع، فالخدمات موفورة، والاستعدادات - ولله الحمد - تامة، والجهود مبذولة، فعلى الرحب والسعة.

 

إن أشواقكم هي أشواق كل مؤمن، ومقصدكم أعظم مقصد، فيسَّر الله مجيئكم، وسهَّل الله أمركم، وتقبَّل سعيَكم، وأحسَن مُنقلبَكم، ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ﴾ [الحج: 27، 28].

 

ضيوف الرحمن، أيها المسلمون:

إن مستقبل الأمة الإسلامية لا يصنعه - بإذن الله - إلا المسلمون، وإذا استقام الطريق وصحَّ المنهج فإن الزمن جزءٌ من العلاج طالَ الزمن أو قصُر، ذلكم أن دين الإسلام حقٌّ بذاته، برهانه من داخله، وحُجَّته في نصوصه وتطبيقاته، دينٌ وسِعَ نوره الأرجاء، وعمَّ ضياؤه الآفاق، وربط نظامُه المشرق بالمغرب، والأقصى بالأدنى.

 

ومن هنا - معاشر المسلمين والحُجَّاج - فإننا نقول بثقةٍ مقرونة بقوة، وقناعةٍ مُنبثقة الحُجة: إن البشرية ليست بحاجة إلى مبادئ جديدة، أو أنظمةٍ جديدة، ولكنها بحاجة إلى مصداقية في تطبيق العدل والقسط، والنظر في المصالح الحقيقية للأفراد والشعوب.

 

ألم تنظروا وتتأملوا فيما نملكه نحن أهل الإسلام من خيرٍ وما نختصُّ به من كنوز، ونستأثر به من مبادئ ومُنطلقات، ألم تمتد دولة محمد - صلى الله عليه وسلم - في أقل من قرن من جدار الصين إلى بحر الظلمات - المحيط الأطلسي.

 

أشرقت دولة الإسلام حِقَبًا عديدة، ودهورًا مديدة، بنور الحق، ودين الفضل، ومبادئ النُّبْل، وضياء الهدى، فلم يترك دينُ الله بيتَ مَدَرٍ ولا حجرٍ إلا دخله بالغًا ما بلغ الليل والنهار، دين الحق قبِلَته وقبِلَت لغتَه الأرواح قبل الأشباح، تتبعُ فتوحاته الحضارةُ والمدنية، والعدل والرحمة، والعلوم النقلية والعقلية والكونية، على أيدي هذه الأمة الأمية حديثة العهد بالعلم.

 

قد زكَّاها القرآن وعلَّمها أن صلاح الإنسان يتبعه صلاح العالم، ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 151، 152]، سبحانك ربنا عزَّ شأنُك، وهل يكون هذا الخير، وهذا النور، وهذا الحق إلا بوحيٍ من لدن حكيمٍ عليم، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

 

معاشر الإخوة:

نفوس المسلمين وأنفاسهم تتدفَّق مع مجاري دمائهم، تربط الروح بالجسد، والدين بالدنيا، والأمل بالعمل، في تلاحُمٍ أخَّاذ بين الفكر والجوارح، والبدن والروح، في اتصالٍ من غير فِصال، دينٌ يؤكِّد كرامة البشرية، وقيمة الحياة الإنسانية، وحقوق الحرية الإنسانية الحقة، فلا عبودية لبشرٍ على بشر، ولكن عبوديةٌ للواحد الأحد.

 

معاشر الإخوة، حُجَّاج بيت الله:

أما نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -، فهو المختار المصطفى، والنبي المُجتبى، صادق اللهجة إذا تحدَّث، طَلق اليد إذا بَذَل، واسع الحلم إذا أُوذِي، عظيم النفس، راجح العقل، قد امتلأ رحمةً وبِرًّا، وحكمةً وحِجَى، لم يُخالط شيئًا من سيرته شائبةُ عبثٍ أو لهو، إخلاصٌ شديد، وجِدٌّ راسخ، لم يُؤثَر عنه قولٌ ولا عمل يدل على حبٍّ في الرئاسة، أو تطلُّع إلى زعامة، منحه ربُّه من العقل والفهم والإدراك في تدبير بواطن الخلق وظواهرهم، وسياستهم العامة والخاصة، مع عجيب شمائله، وبديع سيرته، علوٌّ في الذات، وعلوٌّ في القدر، ومقامٌ أرفع في خُلُقٍ كريم، وسيرةٍ حميدة، ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113]، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

إخوة الإسلام:

وليزداد منكم العَجَب فيما نكتنزه من مجد، وننطلق به من مبادئ، ويتجلَّى لكم فيه سرٌّ من أسرار الاصطفاء الإلهي لهذا النبي الأمي، فارقبوا محمدًّا - صلى الله عليه وسلم - في آل بيته - رضوان الله عليهم -، لقد آثَر محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - في بيته ومع آل بيته حياة الزهد والقناعة والبذل والإيثار لأهله إلى يوم القيامة، وكان من دعائه: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتًا»، وقال لهم جميعًا: «لا أُغني عنكم من الله شيئًا».

 

إن محمدًا - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - لم يخُصَّ آل بيته بوسائل التنعُّم الأسرية، ولم يجعل لهم مزايا دنيوية خاصة؛ بل رباهم على حياة الزهد والقناعة والإيثار، حتى إنه لم يرضَ أن يتخذ عليٌّ وفاطمة - رضي الله عنهما - خادمًا، وأرشدهم إلى الاستعانة بذكر الله والتسبيح والتحميد، ولقد فقِهَ آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم وأرضاهم -، فقهوا عن نبيهم وأبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فكانوا في سيرهم وتاريخهم - رضوان الله عليهم - كانوا بعيدين كل البعد عن كسب الدنيا بانتسابهم وأنسابهم.

 

لقد كانوا غيارى على الرَّحِم الذي يصِلُهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما كانوا يستغلُّون هذا النسب لمصالح دنيوية، شأن المعتاد في أبناء أسر الوجهاء والكُبَراء، يقول جويرية بن أسماء - وهو من أخص خَدَم سيدنا علي بن الحسين المعروف بزين العابدين - رضي الله عنه وعن آبائه - يقول جويرية: ما أكل عليُّ بن الحسين بقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درهمًا قط.

 

وفضل أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المعلوم بالاضطرار عند أهل الإسلام في سيادتهم، وفضلهم، وفُضلائهم، وحسن سيرهم، وأخلاقهم، وعلو هممهم وعزائمهم، فهم السادة أهل البيت، أسباط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأولاد أسد الله وأسد رسوله الإمام الخليفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وكرم وجهه، ورضي عن العترة الطاهرين، وعن الصحابة الأكرمين أجمعين -.

 

أهل البيت لهم مكانتهم في مرتبتهم الدينية ومقامهم العلمي، فالأمة تحفظ لهم الحب والتقدير، والاحترام والمودة، على حد قوله - سبحانه -: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23]، هذا هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاء هم آل بيته سرٌّ من أسرار هذا الدين وبقائه، وحفظه، وعلوه، وحُجَّته، وبرهانه.

 

وبعد:

فالإسلام دين الله، ومحمد رسول الله، ورسالته خاتمة الرسالات، تولَّى الله حفظ الدين، وتكفَّل بخلود كتابه، وحاط مبادئه وشعائره ومقاصده بحياطته الصمدية، وحفِظَها ويسَّرها غضَّةً سليمة، سهلةً تبهر الناس بكمالٍ لا يُدانيه كمال، وصلاحية لا يُخالطها بِلَى، وتجدُّدٍ لا يُنازعه تقادُم.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 43، 44].

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله مُجيب من دعاه، وهادي من استهداه، أحمده وأشكره على جزيل مِنَحه ووافر عطاياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره، ولا رب لنا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا رسول الله وخليله ومُصطفاه، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم أن نلقاه.

 

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

كما تتجلَّى خيراتنا وكنوزنا ومنطلقاتنا وبراهيننا وحُججنا في أولئك الكوكبة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ليتلقوا الوحي غضًّا طريًّا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليكونوا المُبلِّغين الأوائل عن الله وعن رسوله، إنهم القوم الذين سعِدوا بتربية المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، إنهم جيلٌ لم يكن للإنسانية به عهد، دُعُوا إلى الإسلام فقَبِلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه وحكَّموه، واستُنفِروا للجهاد فسلُّوا السيوف من أغمادها، فأخذوا بأطراف الأرض زحفًا زحفًا، وساروا إلى الهيجاء صفًّا صفًّا، لا يُبشَّرون بالأحياء، ولا يُعزَّون في الموتى، بِيض العيون من البكاء، خُمص البطون من الصيام، على وجوههم صلاح الخاشعين، وعملهم عملُ الوجِلين.

 

حفَظَة الدين وأمناؤه، رعيل الإسلام الأول، قلَّ نظيرهم، وعزَّ مثيلهم، أوفياء لله ولرسوله، محوا رسوم الجهل، وهدموا أنصاب الكهانة، هجروا الديار والأموال، وتبوءوا الدار والإيمان، ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]، استقامةٌ على الدين، ولزوم المنهج، ومحاسبةٌ للنفس، في تربيةٍ نبوية لا تطاولها تربية الحكماء، ولا خبراء التعليم، ولا معلمي الأخلاق، ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

 

رضي الله عنهم ورضوا عنه، بلغوا المستوى الأعلى في درجات الرُّقيِّ الإنساني؛ بل يقول بكل أمانةٍ وثقةٍ: كانوا في أدنى المستوى الإنساني، ثم رفعهم محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أعلى درجات الرُّقيِّ الإنساني.

 

نعم، أيها المسلمون، ونعم، معاشر الحجيج، لم يكن المسلمون هم الذين صنعوا عظمة الإسلام، ولكن الإسلام هو الذي صنع عظمة المسلمين، وكذلك يفعل ديننا في قديم الزمان وحديثه، وفي شرق العالم وغربه، وفي أقصاه وفي أدناه، ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10].

 

نعم، الإسلام هو الذي يصنع عظمة المسلمين، ويحفظ مكانتهم، ويُعلي قدرهم، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، العزة للمؤمنين بإيمانهم، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

 

وبلاد الحرمين الشريفين قبلة المسلمين، وحاضنة مُقدَّساتهم، وخادمتها، وراعيتها، وفي مقدمتهم ولاة أمرها يشرُفون بذلك، ويعتزُّون به خدمةً ورعايةً وعنايةً، يبذُلون الغالي والنفيس من أنفسهم ومواردهم، ويأتي ولي أمرنا مليكنا وإمامنا خادم الحرمين الشريفين: الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله بحفظه، وأعزَّه بدينه -، ليشهد له العالم بهذه المكانة، وليتبوأ هذه المنزلة، ويعترف بقوته وتأثيره ومكانته في صدقه ومُنجَزاته وخدمته لأمته، وقربه من شعبه، واستمساكه بدينه، وأخذه بركاب العلم، والمشاركة الفاعلة في صناعة القرارات الدولية التي تنشُد السلم والحق والعدل، وجمع الكلمة، ومكافحة الإرهاب، ومحاربة الفقر، والمبادرات المخلصة لإحقاق الحق، فهو في المقاييس العالمية يُمارس مسؤولياته ببراعة ومصداقية ونزاهة ومحبة، وبأسلوب فعَّال، وإدارة حازمة، دينًا، واقتصادًا، وسياسةً، وعلمًا.

 

فلله الحمد والمنة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، والحمد لله على ما أعطى، والشكر له على ما أولى.

 

هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم، فقال في محكم تنزيله، وهو الصادق في قيله، قال قولاً كريمًا﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر، وأحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة.

 

اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا وولاة أمورنا وعلماءنا واجتماع كلمتنا بسوءٍ اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين.

 

اللهم عليك باليهود الغاصبين المُحتلين، اللهم عليك باليهود الصهاينة الغاصبين المحتلين فإنهم لا يُعجزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

 

اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا، ودعاءنا، وأصلح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتب علينا، واغفر لنا وارحمنا، يا أرحم الراحمين.

 

اللهم يسِّر للحُجَّاج حجَّهم، اللهم واجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا، اللهم وأحسِن مُنقلَبَهم، وأعِدهم إلى ديارهم سالمين غانمين مقبولين بمنِّك وجودك يا أكرم الأكرمين.

 

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

 

عباد الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

 

فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 



رابط الموضوعhttps://www.alukah.net/sharia/0/61629/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85-28-11-1431%D9%87%D9%80-%D9%81%D8%B6%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%A2%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA/#ixzz7x5o2UdW1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق