إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 28 يناير 2015

الخمر أم الخبائث

الخمر أم الخبائث
10/4/1436
الحمد لله الذي كرم بني آدم بالدين والعقل, وحرم عليهم ما يذهبهما وينقصهما, فأباح الطيبات وحرم الخبائث, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان, أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أن شرب الخمر من كبار الذنوب, والخمر: اسم لكلّ مسكر أيّا كانت طريقة تناوله, فالعبرة بالأثر والنتيجة. وألحق بعضهم بذلك شربَ الحشيشة، وذلك من جهة أنّها تفسد العقل والمزاج حتّى يصير في الرّجل تخنّث ودياثة وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث من جهة أنّها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة وكلاهما يصدّ عن ذكر الله وعن الصّلاة. قال الله تبارك وتعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي اللّه عنه: "هذا –أي النبيذ - شرابُ من لا يؤمن باللّه واليوم الآخر» وعن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: «أبايعكم على أن لا تشركوا باللّه شيئا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تشربوا مسكرا. فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حدّه فهو كفّارة، ومن ستر اللّه عليه فحسابه على اللّه- عزّ وجلّ- ومن لم يفعل من ذلك شيئا ضمنت له على اللّه الجنّة»
وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه حرّم الخمر وثمنها، وحرّم الميتة وثمنها، وحرّم الخنزير وثمنه»
وعن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لعن اللّه الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه» رواه أبو داود.
عن وائل الحضرميّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الخمر: «إنّه ليس بدواء لكنّه داء»
وقال صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام, إنّ على اللّه عزّ وجلّ عهدا، لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال». قالوا: يا رسول اللّه، وما طينة الخبال؟ قال: «عَرَقُ أهل النّار، أو عصارة أهل النّار» رواه مسلم.
عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ مسكر خمر، وكلّ مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدّنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة» متفق عليه.
وعن أبي عامر الأشعريّ- رضي اللّه عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر (أي الفرج الحرام) والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنّ أقوام إلى جنب عَلَمٍ (أي جبل) يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم (يعني الفقير) لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيّتهم اللّه (أي يهلكهم في بياتهم) ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من زنى وشرب الخمر نزع اللّه منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» رواه الحاكم.
وعن ابن عمر- رضي اللّه عنهما-  قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من شرب الخمر لم يقبل اللّه له صلاة أربعين صباحا. فإن تاب تاب اللّه عليه، فإن عاد لم يقبل اللّه له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب اللّه عليه، فإن عاد لم يقبل اللّه له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب اللّه عليه، فإن عاد الرّابعة لم يقبل اللّه له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب اللّه عليه وسقاه من نهر الخبال» قيل، يا أبا عبد الرّحمن، وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النّار. رواه الترمذي وحسنه.
وعن جابر- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر" رواه الترمذي وحسنه.
وعن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من مات من أمّتي وهو يشرب الخمر حرّم اللّه عليه شربها في الجنّة" رواه أحمد بسند حسن.
عن أبي الدّرداء- رضي اللّه عنه- أنّه قال: أوصاني خليلي صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تشرب الخمر، فإنّها مفتاح كلّ شرّ» رواه ابن ماجه.
وعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن» متفق عليه.
ورضي الله عن صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم, فإنهم لما نزل تحريم الخمر قالوا: انتهينا. وعن أنس- رضي اللّه عنه- قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مناديا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت. قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة. متفق عليه. وقال: فإنّي لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟
قال: حرّمت الخمر. قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس. فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرّجل.
وقال عثمان بن عفّان- رضي اللّه عنه-: «اجتنبوا الخمر فإنّها أمّ الخبائث، إنّه كان رجل ممّن خلا قبلكم تعبّد فعلقته امرأة غَوِيَّةٌ فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنّا ندعوك للشّهادة فانطلق مع جاريتها فطفقت كلّما دخل بابا أغلقته دونه حتّى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت: إنّي واللّه ما دعوتك للشّهادة ولكن دعوتك لتقع عليّ، أو تشرب من هذه الخمرة كأسا، أو تقتل هذا الغلام قال: فاسقني من هذا الخمر كأسا فسقته كأسا قال: زيديني، فلم يرم حتّى وقع عليها، وقتل النّفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنّها واللّه لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلّا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه».
وقال أبو موسى- رضي اللّه عنه-: «ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السّارية من دون اللّه- عزّ وجلّ-» رواه النسائي. وقال عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما-: «لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا» وقال أيضا: «لا تسلّموا على شَرَبَةِ الخمر» ورفع إلى عمر بن عبد العزيز، قوم يشربون الخمر فأمر بضربهم فقيل له: إنّ فيهم صائما.
فقال: ابدؤوا به، ثمّ قال: أمّا سمعت قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويُستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم).
وقال عبد اللّه بن أبي أوفى- رضي اللّه عنهما-: «من مات مدمنا للخمر مات كعابد اللّات والعزّى» قيل: أرأيت مدمن الخمر هو الّذي لا يستفيق من شربها؟ قال: «لا، ولكن هو الّذي يشربها إذا وجدها ولو بعد سنين»
وقال عروة بن الزّبير، لمّا أرادوا قطع رجله حين دخلتها الآكلة وقالوا له: لا بدّ أن تشرب شيئا يغيّب عقلك حتّى لا تحسّ بالألم، ونتمكّن من قطعها. فقال: ما ظننت أنّ أحدا يؤمن باللّه ويشرب شيئا يغيّب عقله حتّى لا يعرف ربّه عزّ وجلّ. وقال الحسن- رحمه اللّه تعالى-: «لو كان العقل يشترى لتغالى النّاس في ثمنه. فالعجب ممّن يشتري بماله ما يفسده». وقال الضّحّاك بن مزاحم- رحمه اللّه تعالى- لرجل: ما تصنع بشرب النّبيذ؟ قال: يهضم طعامي. قال: أما إنّه يهضم من دينك وعقلك أكثر»
وقال بعض أهل العلم: «لأن أرى ابني يفعل كذا أو يسرقُ أحبَّ إليّ من أن يسكر، فيأتي عليه وقت لا يعرف اللّه فيه»
بارك الله لي ولكم في القرآن..
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد, فاتقوا الله عباد الله, وتزينوا له بالصالحات, واحذروا الخبائث والموبقات, وقد أفلح من نجا منها وسلم من غائلتها.
  قال تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم)
قال ابن القيم رحمه الله: ذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة, ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا, فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه, وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصًا, وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها, وآفة العسل عدم تصفيته.
 وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها, ويُجريها في غير أخدود, وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها.
 كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغَوْل والإنزاف وعدم اللذة, فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا: تغتال العقل, ويكثر اللغو على شربها, بل لا يطيب لشرابها ذلك إلا باللغو, وتنزف في نفسها, وتنزف المال, وتصدع الرأس, وهي كريهة المذاق, وهي رجس من عمل الشيطان, توقع العداوة والبغضاء بين الناس, وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة, وتدعو إلى الزنا, وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم, وتُذهب الغيرة, وتورث الخزي والندامة والفضيحة, وتُلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين, وتسلبه أحسن الأسماء والسمات, وتكسوه أقبح الأسماء والصفات, وتسهل قتل النفس, وإفشاء السر الذي في إفشائه مضرته أو هلاكه, ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قيامًا له ولمن يلزمه مؤنته, وتهتك الأستار, وتظهر الأسرار, وتدل على العورات, وتهوّن ارتكاب القبائح والمآثم, وتُخرج من القلب تعظيم المحارم, ومدمنها كعابد وثن, وكم أهاجت من حرب, وأفقرت من غنيّ, وأذلّت من عزيز, ووضعت من شريف, وسلبت من نعمة, وجلبت من نقمة, وفسخت من مودة, ونسجت من عداوة, وكم فرقت بين رجل وزوجته فذهبت بقلبه وراحت بلبه, وكم أورثت من حسرة, وأجرت من عَبرة, وكم أغلقت في وجه شاربها بابًا من الخير, وفتحت له بابًا من الشر, وكم أوقعت في بليّة, وعجّلت من منيّه, وكم أورثت من خزيّة, وجرّت على شاربها من محنة, وجرّت عليه من سِفْلة.
 فهي جِماع الإثم, ومفتاح الشر, وسلّابةُ النعم, وجلّابة النقم, ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: "من شرب الخمر في الدنيا؛ لم يشربها في الآخرة" لكفى.
 وآفاتُ الخمر أضعافُ أضعافِ ما ذكرنا, وكلها منتفية عن خمر الجنة.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق