إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 18 أبريل 2019

العنف الأسري


العنف الأسري
منقولة بتصرف واختصار
الحمدُ لله الوليِّ الحميد، الغفور الودود، ذي البطشِ الشديد، الفعَّالِ لما يُريد، ما شاءَ كان وما لم يشَأ لم يكُن، يعلمُ ما في السماوات وما في الأرض وخائنةَ الأعيُن وما تُخفِي الصدور، وهو ذو العرش المجيد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له.
وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، البشيرُ النذير، والسِّراجُ المُنير، سيِّدُ ولد آدم يوم القيامة، صاحبُ الحوض المورود، وقائِدُ الغُرِّ المُحجَّلين، صلواتُ الله وسلامُه وبركاته عليه، وعلى آلِ بيتِه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجِه أمهاتِ المؤمنين، وعلى أصحابِه الغُرِّ الميامين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الوصيَّةَ المبذُولةَ لي ولكم – عباد الله – هي تقوَى الله في الغيبِ والشهادة، والغضبِ والرِّضا، والمنشَطِ والمكرَه، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1].
أيها المسلمون: الأُسرةُ المُسلمةُ رُكنٌ رئيسٌ من أركان المُجتمع المُسلم المُتكامِل، وعليه فإن كل ما يطرَأُ على تلكُم الأُسرة؛ من استِقرارٍ واضطرابٍ، ويُسرٍ وأناة، ورِفقٍ وعُنفٍ سينعكِسُ بالضرورة على المجمُوع، بقَدر ما لتلكُم الأسرة من مكانةٍ وأثرٍ في المُجتمع، قلَّ ذلكم أو كثُر.
لذلكم كلِّه أكَّد الإسلامُ أهميَّةَ الأُسرة، فأقسمَ الله – جلَّ شأنُه – بأصلِ الأُسرة؛ إذ قال – جلَّ وعلا -: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا ولَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد: 1- 4]. وبهذا القسمُ يظهرُ الوالِدُ والولَد الذين تتكوَّنُ منهم الأُسرة، وقد قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «والرَّجُلُ راعٍ في أهلِ بيتِه ومسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعِيةٌ في بيتِ زوجِها ومسؤولةٌ عن رعيَّتِها» (رواه البخاري ومسلم).
إذا تبيَّن ذلكم – عباد الله -، فلنعلَم أن العُنفَ الأُسَريَّ من أعظمِ ما يُهدِّدُ كِيانَ الأُسرة المُسلمة، ويثلِمُ لُحمَتَها، ويُبدِّدُها شذَرَ مذَرَ، لتنتقِلَ عدواها إلى ما يُجاوِرُها من أُسَر وبيُوتاتٍ، فتنشَأُ حالةٌ من الوُجوم والاضطِراب، تتجاذَبُهما حاضِناتٌ من التهوُّر والقسوة، والجهل بالحقوق والواجِبات والمسؤوليَّات.
العُنفُ – عباد الله – شرٌّ كلُّه، والرِّفقُ خيرٌ كلُّه، وما كان العُنفُ في شيءٍ إلا شانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا زانَه، وإنه ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شانَه. وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.
العُنفُ – عباد الله – داءٌ لا خيرَ فيه البتَّة، وهو قبيحٌ يعظُمُ قُبحُه وضررُه حينما يطَالُ ذوِي القُربَى، فإن العُنفَ ظُلمٌ ووقعُه على ذوِي القُربَى أشدُّ مضاضةً على النَّفسِ من وَقع الحُسام المُهنَّد.
العُنفُ  والغلظة – عباد الله – سُلوكٌ مَشينٌ، يُلحِقُ الضَّررَ بالمُعنَّفِ به، جسديًّا أو ماليًّا أو نفسيًّا، وهو يصِلُ في بعض المُجتمعات والبِيئات إلى شِبه ظاهرةٍ؛ لتكاثُر وقوعِها، وفَداحَةِ مغبَّاتها، فإن ضحاياها كُثُر، والله المستعان.
وإنه ما من داءٍ اجتماعيٍّ إلا وله دواءٌ، علِمَه من علِمَه، وجهِلَه من جهِلَه. وإن دينَنا الحَنيفَ لم يدَعْ لنا خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرَنا منه، وإن أولَ عُنفٍ أُسريٍّ وقعَ في البشريَّة قد قصَّه علينا ربُّنا – جلَّ وعلا – في كتابِه العزيز الذي لا يأتِيه الباطِلُ من بين يدَيه ولا من خلفِه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد، فقد قال الله في مُحكَم التنزيل عن أول عُنفٍ أُسريٍّ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 27- 30].
هذه صورةٌ واحدةٌ من صُور العُنف الأُسريِّ، وهي أعلاها خطرًا وجُرمًا؛ لبُلوغها درجةَ إزهاقِ النفسِ بغيرِ حقٍّ، وما دُون ذلكم من الصُّور لا يُمكنُ حصرُه، غيرَ أن من أهمِّها: الضربَ المُبرِّح، أو التهديدَ بالطلاق، أو الحِرمانَ من النَّفقَة، أو الظُّلمَ في العطيَّة بين الأولاد أو بين الزوجات، ونحو ذلكم. هذا إذا كان العُنفُ صادِرًا من قِبَلِ الزوجِ.
أما إن كان من قِبَل الزَّوجة، فمن صُوره: التربُّصُ بالزوجِ من خلال هَدر حُقوقِه، وتأليبِ الأولاد على عُقوقِه جسديًّا ونفسيًّا وماليًّا. وقُولُوا مثلَ ذلكم في العُنفِ الصادِرِ من الأولاد تُجاه بعضهم أو تجاه الوالدَين أو أحدَهما.
إذا عُلِمَ ذلكم – عباد الله -، فاعلَمُوا أن للعُنفِ الأُسريِّ أسبابًا كثيرةً، يأتي في مُقدَّمتها: ضعفُ الإيمان في القلوب والغفلةُ عن لقاء علام الغيوب. يُضافُ إلى ذلكم: جهلُ المُعنِّف بالحقوق والواجِبات التي ينبغي أن يُؤدِّيَها على ما كُلِّفَ به منها.
كما أن تعاطِيَ المُسكِرات والمُخدِّرات وغيرها من أنواع الكُيُوف القتَّالة سببٌ مُنتشِر انتِشارَ النار في الهَشيم، لدَى من أُصيبُوا بلَوثَة العُنف الفتَّاكة.
ولربَّما كان من أسبابِ العُنفِ: ما يتلقَّاهُ المُشاهِدُ من إسقاطٍ إعلاميٍّ، عبرَ الأفلام، والمُسلسلات التي يُستعمَلُ فيها العُنفُ، حتى تَؤُزَّ المُشاهِدَ أزًّا على مُحاكاتها أو التطبُّع بطَبعِها؛ لما لها من أثرٍ بالِغٍ في التلقِينِ الذهنيِّ الآسِر.
يُضافُ إلى ما مضَى – عباد الله -: الأمراضُ النفسيَّة والاجتماعيَّة، كذاك اضطرابُ أحد الزَّوجين أو كِليهما في العشرة الزَّوجية.
وبمثلِ تلكُم الأسباب تبرُزُ آثارُ العُنفِ على الأُسرة ثم المُجتمع، فلا تسأَلُوا حينئذٍ عما يُحدِثُه العُنفُ الأُسريُّ من الشَّرخِ العَميقِ لحِصن الأُسرة المُستقِرِّ، المبنيِّ على أساس السَّكَن والمودَّة والرحمة، كما قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
ناهِيكم – عباد الله – عن تفلُّتِ الفتَيَات والفِتيَان من البُيُوت، فِرارًا من ذلكم العُنف الممقُوت بعد الاكتِواء بلَهيبِه، وما ينتُجُ عنه من جرائِمَ ووقوعٍ في المُسكِرات والمُخدِّرات هروبًا من الواقِعِ المُؤلِم. بل قد يتعدَّى الأمرُ إلى أبعدَ من ذلكم، ليصِلَ درجةَ الانتِحار بقتلِ المُعنَّفِ نفسه، ولربما تشرَّبَت الأُسرةُ خُلُقَ العُنف من مُمارسةِ الوالدَين؛ ليُكرِّرَ الطفلُ ذلكم حينما يكبُر، فتُصبِحُ وراثةً خُلُقيَّة، أو أن يُصابَ الأولادُ بالقلقِ المُزمِن والاضطرابِ النفسيِّ خوفًا من المُستقبَل، فيكرَهُون الزواجَ، ويكرَهُون الأُسرة، فينقلِبُون عِبئًا ثقيلاً على المُجتمع، أمنيًّا واجتماعيًّا واقتِصاديَّا وتربويًّا، والله – جلَّ وعلا – قد قال لسيِّد الخلق وأكرمِهم وأحلَمِهم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا والمسلمين إله الحق، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إن ربي كان غفورًا رحيمًا.

الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه.
وبعد: فاتَّقُوا الله – عباد الله -، واعلَمُوا أن الإسلامَ دينٌ كاملٌ، بيَّن الله به علاقةَ المرءِ بربِّه، وعلاقتَه بخلقِه؛ فما من شرٍّ قد حذَّرَ منه إلا فتَحَ أمامَه أبوابًا من الخير، وما من داءٍ إلا فتَحَ أمامَه دواءً لا يُغادِرُ ذلك الداء.
وإن مُعضِلةَ العُنف الأُسريِّ لجَديرةٌ بأن تكون من أولويَّات اهتِمامات المُجتمع المُسلم؛ لأن استِقرارَه الاجتماعيَّ والنفسيَّ لا يُمكنُ أن يتحقَّقَ بمنأَى عن استِقرار الأُسرة التي هي أُسٌّ في المُجتمع، فإن مثلَ تلكُم الاهتِمامات الجادَّة تمنَحُ الأُسَرَ والبُيُوتات وعيًا مُلازِمًا، يُمكنُ بمُوجَبِه الخُروجَ من زوبَعةِ ذلكم الطَّبع الشارِخِ سِياج الأُسرة واستِقرار المُجتمع، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
فالرفق الرفق يا عباد الله، اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم واعلموا أن كل راع سيسأله الله عما استرعاه أَحفِظَ أم ضيّع، ويا أيها الأب المبارك: اعلم أن ابناءك هم مشروع حياتك الأعظم فاجعل لهم أعظم همتك وطويل وقتك وسعة صدرك ورحمة قلبك ونصح أُبوّتك.
= ثم اعلموا ياعباد الله أن هذه الليلة هي التي يسمونها ليلة النصف من شعبان، ويزعمون فيها أخبارًا وأحاديثَ لم يثبت منها شيء، فلم يثبت في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح ولم يرد عن الصحابة تفضيلها ولا تخصيصها بأية عبادة، فعلى هذا فلا يشرع إحياء تلك الليلة و لا صيام نهارها و لا تخصيصها بعبادة معينة و لا عبرة بكثرة من يفعل ذلك من الجهلة ، و الله المستعان.
وكل خير في اتباع من سلف  .. وكل شر في ابتداع من خلف
هذا وصلُّوا – رحمكم الله – على خيرِ البريَّة، وأزكى البشريَّة: محمد بن عبد الله صاحبِ الحوضِ والشفاعة؛ فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم – أيها المُؤمنون -، فقال – جلَّ وعلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ صاحبِ الوجهِ الأنوَر، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وكرمِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمُومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكرُوبِين، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعَل ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقَاك واتَّبعَ رِضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حيُّ يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم كُن لإخواننِا المُضطهَدين في دينهم في سائرِ الأوطان يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم كُن لإخوانِنا المُجاهِدين المُرابِطِين في الثُّغور، اللهم كُن لهم ولا تكُن عليهم، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)  [البقرة: 201].
سُبحان ربِّنا ربِّ العزّةِ عما يَصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العَالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق