إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 25 أكتوبر 2019

ذم الغيبة والتجسس وفضل الإصلاح


ذم الغيبة والتجسس وفضل الإصلاح
منقولة بتصرف
الحمد لله عَظُمَ شأنه ودام سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره عمّ امتنانه وجَزَلَ إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، به علا منار الإسلام وارتفع بنيانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أَمَّا بَعدُ، فَـاتقوا الله عباد الله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]".
عباد الله: تدبروا قول الله تعالى في سورة الأخلاق والآداب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
وَكُلَّمَا كَانَ المُسلِمُونَ مُتَمَسِّكِينَ بِتَوجِيهَاتِ القُرآنِ وَالسُّنَّةِ، مُتَأَدِّبِينَ بما أَدَّبَهُمُ اللهُ بِهِ وَإِن خَالَفَ هَوَى نُفُوسِهِم، كَانُوا إِلى الخَيرِ وَالبِرِّ أَقرَبَ وَأَدنى، وَبِالسَّلامَةِ مِنَ الآفَاتِ وَالشُّرُورِ أَحَقَّ وَأَحرَى، وَكَانَ جَسَدُ مُجتَمَعِهِم مُتَمَاسِكًا وَأَعضَاؤُهُ آخِذًا بَعضُهَا بِبَعضٍ، فَاستَمَرَّتِ الصِّلاتُ، وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى، وَأُمِرَ بِالمَعرُوفِ وَنُهِيَ عَنِ المُنكَرِ، وَصَلَحَ أَمرُ الدِّينِ وَعَلا، وانتَظَمَت مَصَالِحُ الدُّنيَا وَسَارَت، وَالعَكسُ مِن ذَلِكَ صَحِيحٌ، فَكُلَّمَا تَهَاوَنَ المُسلِمُونَ بِالآدَابِ الشَّرعِيَّةِ وَابتَعَدُوا عَنِ الأَخلاقِ الإِسلامِيَّةِ، كَانَ ذَلِكَ هَتكًا لِرَوَابِطِ الأُخُوَّةِ وَنَقَضًا لِحِبَالِهَا، وَاجتِثَاثًا لِجُذُورِهَا أَو قَطعًا لِمَاءِ الحَيَاةِ عَنهَا، فَتَقسُو بِذَلِكَ القُلُوبُ، وَتَضِيقُ الصُّدُورُ، وَتَنقَبِضُ النُّفُوسُ، وَيَحمِلُ الأَخُ عَلَى أَخِيهِ وَتَثقُلُ عَلَيهِ رُؤيَتُهُ، وَلا يُطِيقُ الاجتِمَاعَ بِهِ وَتَزدَادُ مِنهُ وَحشَتُهُ، وَمَا الظَّنُّ بَعدَ ذَلِكَ بِمُجتَمَعٍ مُنحَلِّ الرَّوَابِطِ مُتَقَطِّعِ الأَوَاصِرِ؟! إِنَّهُ لَلمُجتَمَعُ الضَّعِيفُ المُتَهَالِكُ، الَّذِي يَجِدُ فِيهِ شَيَاطِينُ الجِنِّ وَالإِنسِ فُرصَتَهُم لِنَشرِ كُلِّ ضَارٍّ وَبَثِّ كُلِّ خَبِيثٍ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ - مِمَّا لا يَتَّصِفُ بِهِ مُؤمِنٌ صَفَا قَلبُهُ وَزَكَت نَفسُهُ، وَلا يَرضَاهُ لِنَفسِهِ عَاقِلٌ ارتَفَعَت بِهِ مُرُوءَتُهُ عَنِ الدَّنَاءَاتِ، خلقٌ وضيع هو التَّجَسُّسُ وَتَتَبُّعُ العَورَاتِ، قَالَ - تَعَالى - : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ [الحجرات: 12] وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : "إِيَّاكُم وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَاجَشُوا وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - "وَمَن قَالَ في مُؤمِنٍ مَا لَيسَ فِيهِ أَسكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخرُجَ مِمَّا قَالَ "وَرَدْغَةُ الخَبَالِ هِيَ عُصَارَةُ أَهلِ النَّارِ". صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - وَتَمَسَّكُوا بِالأَخلاقِ الجَمِيلَةِ وَعَوِّدُوا أَنفُسَكُمُ الآدَابَ الحَسَنَةَ، تَكُونُوا بِذَلِكَ مِنَ الدَّاخِلِينَ في عَهدِ مُحَمَّدٍ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَذِمَّتِهِ، حَيثُ قَالَ: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِن كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ الكَذِبَ وَإِن كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيتٍ في أَعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ". وقال: َ"مِن حُسنِ إِسلامِ المَرءِ تَركُهُ مَا لا يَعنِيهِ" وعَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: " صَعِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - المِنبَرَ فَنَادَى بِصَوتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: "يَا مَعشَرَ مَن أَسلَمَ بِلِسَانِهِ وَلم يُفْضِ الإِيمَانُ إِلى قَلبِهِ، لا تُؤذُوا المُسلِمِينَ وَلا تُعَيِّرُوهُم وَلا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِم؛ فَإِنَّهُ مَن يَتَّبِعْ عَورَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ، وَمَن تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ يَفضَحْهُ وَلَو في جَوفِ رَحلِهِ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. قَالَ بَعضُ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ: أَدرَكنَا قَومًا لم تَكُنْ لَهُم عُيُوبٌ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُم عُيُوبًا، وَأَدرَكنَا أَقوَامًا كَانَت لَهُم عُيُوبٌ، فَكَفُّوا عَن عُيُوبِ النَّاسِ فَنُسِيَت عُيُوبُهُم.
أيها المؤمنون، حدَّث أبو هريرة أن رسول الله قال: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث)) رواه البخاري، وعن عبد الله بن عمر قال: رأيت النبي يطوف بالبيت ويقول: ((ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك؛ دمه وماله وأن لا يظنَّ به إلا خيرًا)).
أيها المؤمنون، إذا تسرّب سوء الظن إلى النفوس أدّى بها إلى الاتّهام المتعجّل وتتبّع العورات وتسقّط الهفوات والتجسّس الدنيء؛ ولذا ترى من يسيء الظنَّ يقول: سأحاوِل أن أتحقّق، فيتجسّس وقد يغتاب وقد يذكر أخاه بسوء، فيرتكب ذنوبًا مترادِفة ومعاصيَ قاصِمة.
الظنّ ـ عبادَ الله ـ مبنيّ على التخمين بسبب كلمةٍ أو عمل محتمل، والظنّ يجعل تصرّف صاحبه خاضعًا لما في نفسه من تهمة لأخيه المسلم حتى تجدَه يحمل أطنانًا من التّهم بناها خياله وكلّستها أوهامه نتيجةَ سوء ظنّه بأخيه، بل إنّ تحيّة الإسلام عند هؤلاء إن كانت محفوفةً بسوء الظنّ كانت شتيمةً منكرة، والابتسامة إن كانت مقرونة بسوء الظنّ فُسّرت استهانة واستهزاءً، والعطاء والمدح يُفسّران على وجهٍ قد يقود إلى المعارك والاصطدام. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ،) فدل سياق الآية على الأمر بصون عِرض المسلم غايةَ الصيانة لتقدُّم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظان: أبحث لأتحقّق، قيل له: (وَلا تَجَسَّسُوا)، فإن قال: تحققتُ من غير تجسّس، قيل له: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا).
عباد الله: قال أهل العلم: إن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، ولا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبح.
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً. ورحم الله القلاعي إذ يقول: "فقد يوحش اللفظ وكلّه ودّ، ويُكره الشيء وليس من فعله بدّ، هذه العرب تقول: لا أبا لك في الأمر إذا همّ، وقاتله الله ولا يريدون الذم، وويل أمِّه للأمر إذا تمّ، ومن الدعاء تربت يمينك، ولذوي الألباب أن ينظروا في القول إلى قائله، فإن كان وليًا فهو الولاء وإن خَشُن، وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حَسُن" انتهى كلامه رحمه الله. وقال ابن القيم رحمه الله: "والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عنه"؛ ولهذا لم يُحكم بالكفر على الذي أخطأ من شدة الفرح فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، كما في حديث التوبة المعروف، وذلك لأنه لم يقصد تأليه نفسه.
أيها الإخوة، ليس من منهج السلف الصالح تأويل الألفاظ وليّ المعاني والفرح بالعثرات ومعاملة المسلمين بسوء الظن.
عبد الله: تجنّب سوء الظن بهم، فكّر طويلاً قبل أن تحكم أو تتهم، ولأن تخطئ بحسن الظن أفضل من أن تخطئ بالتسرع بسوء الظن، قال عمر : (ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً).
يقول عز وجل في محكم تنزيله: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ). وتأمل هذه الآية العظيمة جيدًا، لقد شبه الله جل جلاله المغتاب بالذي يأكل لحم أخيه المسلم، ومتى؟ بعد أن مات، قال القرطبي رحمه الله: "مثل الله الغيبة بأكل الميتة لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي إذا اغتيب لا يعلم بغيبة من اغتابه". ما أبشع ذلك المنظر، وما أسوأ تلك الصورة. إنها صورة المسلم المنهمك في أكل لحم أخيه المسلم الذي فارق الحياة.
إنها الغِيبة يا عباد الله، إنها ذكر العيب بظهر الغيب، ذكرك أخاك بما يكره، سواء أكان فيه ما تقول أم لم يكن، هكذا بينها رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقال الحسن: "والله، للغيبة أسرع في دين الرجل من الآكلة في الجسد".
أيها الإخوة، يقول بعض السلف: أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة، ولكن في الكف عن أعراض الناس.
وقد يلبس الشيطان على بعض الناس أمرَ الغيبة فيقعون فيها من حيث يشعرون أو لا يشعرون. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومنهم من يقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدًا إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله". وكثير من الناس تسمعهم يقولون: والله لا نريد أن نغتابه لكن فيه كذا.. إذًا فقد اغتبته.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "يقول ذلك الرجل: ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله ويقول: والله إنه مسكين أو رجل جيد لكن فيه كيت وكيت"، وربما يقول: دعونا منه الله يغفر لنا وله. ومنهم من يظهر الاغتمام فيقول: مسكين فلان غمّني ما جرى له وما تم له، فيظن من يسمعه أنه يغتمّ له ويتأسّف، لكنّ قلبه منطو على التشفي به، ولو قَدِر أن يزيد على ما به لفعل.
يا عبد الله، إن لكل الناس عورات ومعايب وزلات ومثالب، فلا تظن أنك علمت ما لم يعلم غيرك، أو أنك أدركت ما عجز عنه غيرك، فاشتغل بعيبك عن عيوب الناس، واسلك مسلك النصيحة، واعدل عن الفضيحة، واعلم أن من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق، احفظ حق أخيك، وصن عرضه، وفي الحديث عنه : ((من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقًا على الله أن يعتقه من النار)) رواه أحمد، وفي حديث آخر قال : ((من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج)) رواه أبو داود وأحمد، وردغة الخبال هي عصارة أهل النار عياذًا بالله، وعن أنس قال: قال رسول الله : ((لما عُرج بي إلى السماء مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يَخْمِشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم))، ولذلك كان ميمون بن سياه إذا اغتاب أحد عنده نهاه، فإن انتهى وإلا قام من المجلس.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسَيِّئِ الأَخلاقِ، وَأَلسِنَتَنَا مِنَ الكَذِبِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَقَولِ الزُّورِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَنَسأَلُكَ قُلُوبًا صَافِيَةً رَقِيقَةً، وَأَلسِنَةً ذَاكِرَةً شَاكِرَةً...
...................
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
عباد الله: قال صلى  الله عليه وسلم:  (وكونوا عباد الله إخوانا) ومن حقوق الإخوة في الدين إصلاحُ ذات البين، فإن الإصلاح العادل من جليل القُرب الموصلة إلى عَلِيِّ الرُّتب، وكريم المطلب، لا يقوم به إلا الأخيار، ولا يتصدى له إلا ذو الهِمم الكبار، وأهل الخير والصدارة في الدنيا، وأُولُو الرتب العلية والشفاعة المرضية في الأخرى، كيف لا وهم أرحم الناس بالناس، وأعظمهم إحسانًا إلى الناس، وأشهدهم تحمُّلاً في هذا الشأن لأذى الناس، يَئِدون الشر في مهده، ويردون ذا الغي إلى رشده، ويكفون الشرعية عن المظلوم، ويقطعون شر الظلوم الغَشوم؟!اعلموا أن من حقوق المسلمين الإصلاح بينهم وحثهم على التآلف والتواد والتقارب والإحسان، وكلما كان  خطر الأذى كبيرا  عظم الأجر عليه،؛والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾  
ومن ذلك الصلح في عتق الرقاب لمن حق عليه القصاص، فإن رأى المؤمن خيرا في الإصلاح فليبادر فالله تعالى يقول: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) أي إن كان في العفو إصلاح فهو من الخير المشكور المأجور، ولكن  إن غلب على الظن خلاف ذلك فالحال مختلف، ومما يلحق بذلك مغالاة بعض الناس في قبول الديات بمبالغ مضاعفة مرات عديدة عن قيمة الدية فهذا غير محمود ولا مشكور، فإما العفو مجانا لوجه الله أو الدية أو قريبا منها أو القصاص، أما أن تكون الدماء سلعا يغالى فيها بين السماسرة وأولياء الدم فهذا غير محمود ولا مشكور.
اللهم صل على محمد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق