إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 16 ديسمبر 2019

الولاء والبراء


الولاء والبراء
منقولة بتصرف
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب. أظهر الحق بالحق وأخزى الأحزاب. وأتمَّ نوره، وجعل كيد الكافرين في تباب. أرسل الرياح بشرًى بين يدي رحمته وأجرى بفضله السحاب. وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب. الملك فوق كل الملوك ورب الأرباب. الحكم العدل يوم يُكشف عن ساق وتوضع الأنساب. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. خلق الناس من آدم وخلق آدم من تراب. خلق الموت والحياة ليبلونا وإليه المآب. وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المستغفِر التواب. خُلُقه الكتاب، ورأيه الصواب، وقوله فصل الخطاب. قدوة الأمم، وقمة الهِمَم، ودرة المقربين والأحباب. أضاء الدنيا بسنته، وأنقذ الأمة بشفاعته، وملأ للمؤمنين براحته من حوضه الأكواب.  اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب. ما هبت الرياح بالبشرى وجرى بالخير السحاب. وكلما نبت من الأرض زرع، أو أينع ثمر وطاب.
عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعتنوا رحمني الله وإياكم بقضية من أهم القضايا العقدية، ألا وهي قضية الولاء والبراء، أخبر عن عظمتها وعلاقتها بالإيمان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله).
إن معنى الولاء المحبة والمناصرة، والبراء هو البغض والعداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه.
وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة في التحذير من موالاة الكفار؛ والتأكيد على عداوتهم لنا مما أظهروا زيفًا لنا، وبيّنت الآيات الكثيرة أن موالاة الكفار من علامات النفاق، حتى نحذر منهم ومن مكرهم.
قال الله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28]؛ وقال تعالى:  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]؛ قال حذيفة رضي الله عنه : (ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهـو لا يشـعر، فإن الله يقـول: ﴿ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ .
إخوة الإسلام، إن عقيدتنا تحرم علينا موالاة الكافرين والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا؛ ولو كانوا عَرَباً؛ ولو كانوا من أقرب الناس إلينا نسباً، وتوجب العقيدةُ علينا البراءة منهم والبعد عنهم، قال الله تعالى: ﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في شأن هذه الآية: فهذا التأييد بروحٍ منه لكل مَن لم يحبَّ أعداءَ الرسل وإن كانوا أقاربه؛ بل يحب مَن يؤمن بالرسل وإن كانوا أجانبَ، ويبغض من لم يؤمن بالرسل وإن كانوا أقاربَ، وهذه ملة إبراهيم.
وقال - رحمه الله -: وليعتبر المعتبرُ بسيرة نور الدين زنكي وصلاح الدين ثم العادل، كيف مكَّنهم الله وأيَّدهم، وفتح لهم البلاد، وأذلَّ لهم الأعداء، لما قاموا من ذلك بما قاموا به، وليعتبر بسيرة مَن والَى النصارى كيف أذلَّه الله - تعالى - وكَبَتَهُ.
عباد الله: إن الإعجاب بالكفار، والتغافل عن عداوتهم التي لا تخفى، إنه لمن ضعف الإيمان بالله، واختلال عقيدة الولاء والبراء؛ بل هو مما يغضب اللهَ ويسخطه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقولوا للمنافق: سيدٌ؛ فإنه إن يك سيدًا، فقد أسخطتم ربكم - عز وجل -))، هذا في مدح المنافق المظهِر للإيمان، فكيف إذا كان المدح للكفار؛ بل لرؤوس الكفار وقوَّاد أعظم الدول عداوةً للإسلام وحربًا على المسلمين؟!
ألا فاتَّقوا الله - أيها المسلمون - وتمسَّكوا بدينكم، وعضُّوا عليه بالنواجذ، ولا يغرنَّكم مَن ضلَّ عنه وفرط فيه، مهما كانت مكانته ومنزلته؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالكٌ، مَن يَعِشْ منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ)).
قال - تعالى - في الحديث القدسي: ((من عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن آل أبي فلانٍ ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحبَّ لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((أوثقُ عرى الإيمان الحبُّ في الله والبغض في الله)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، يقتضي أن لا يُحِبَّ إلا لله، ولا يُبغض إلا لله، ولا يوادَّ إلا لله، ولا يعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه اللهُ، ويبغض ما أبغضه الله.
وقال أبو الوفاء ابن عقيلٍ - رحمه الله -: إذا أردتَ أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجِهم في الموقف بـ(لبيك)، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة.
عباد الله : ومن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة: أن من لم يكفر الكافرين أو يشك في كفرهم؛ فقد كفر. ومن أصولهم أن موالاة الكفار لها صور متعددة منها ما يكون ردة وكفرا ومنها صور كثيرة صاحبها على خطر إلا أنه لا يكفر. ولذلك تفصيل في كتب أهل العلم.
عباد الرحمن : إن من صور الولاء للكفار إعانتهم ونصرهم على المسلمين وكذلك الاستعانةُ بهم مع الثقة بهم قال الله - سبحانه وتعالى:  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].
ومن صور موالاة الكفار مشاركتهم في أعيادهم ومناسباتهم الدينية وتهنئتهم بها.
ومن صور موالاة الكفار التشبه بهم فيما هو من خصائصهم في اللباس والهيئات وغيرها، والبعض يتشبه بهم فيما هو من خصائصهم من لباس وهيئات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود، وهو حسن لغيره.
ومن صور موالاة الكفار مدح الكفار والذب عنهم مع إغفال كفرهم بالله وأعمالهم القبيحة، وبغض الله لهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم...

الخطبة الثانية
الحمد لله..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتأملوا حال عمر، فقد دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فسأله عن كاتبه فقال: (لي كاتب نصراني) فعنف عمر رضي الله عنه تعنيفا شديدا، ثم قال له أما سمعت قول الله -عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]. ألا اتخذت كاتباً حنيفاً؟ قال: (يا أمير المؤمنين! لي كتابته وله دينه )، فقال عمر: (ألا لا تكرموهم وقد أهانهم الله، ولا تُعزّوهم وقد أذلهم الله، ولا تدنوهم وقد أقصاهم الله) ذكره ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم.
إخوة الإسلام، ذكر أهل العلم أن الناس في الولاء والبراء على أقسام ثلاثة: القسم الأول: من تجب محبته لله؛ محبة خالصة لا معاداة فيها، وهم المؤمنون من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
والقسم الثاني: من يُبغض ويعادى في الله، بغضا خالصا لا محبة معها، وهم الكفار على اختلافهم. ويلحق بهؤلاء المنافقون الذين ظهر نفاقهم وكفرهم بمحاربتهم للدين. كما يُلحق بهم أهل البدع المكفرة ممن ينتسبون إلى الإسلام.
والقسم الثالث: من يحب من وجه ويبغض من وجه، فتجتمع فيه المحبة والعداوة، فلهم حقوق أهل الإسلام من المحبة والمناصرة وغيرها من الحقوق، مع بغضٍ لهم على قدر معاصيهم التي أظهروها، وهؤلاء هم من ظهرت معاصيهم من المؤمنين، يحبون على قدر ما فيهم من الإيمان والتوحيد، ويُبغضون لما فيهم من المعاصي. ويُلحق بهم أهل البدع غير المكفرة.
وختاما، ننبه إلى أن البراء من الكفار لا يكون بالاعتداء عليهم، أو ظلمهم، أو عدم إعطائهم حقوقهم، بل ديننا دين العدل والأخلاق.
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا من حبك. اللهم اجعلنا أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين. اللهم ارزقنا محبة المؤمنين، وبغض الكافرين.
اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
الله أعز الإسلام والمسلمين...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق