إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

علامات الافتقار إلى الله تعالى (2)

 

علامات الافتقار إلى الله تعالى (2)

الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ لافتقار العبد لربه علامات، وقد ذكرنا تسعة منها في خطبة سابقة، وهذه بقيتها،

فالعلامة العاشرة: خشية الله في السر والعلانية:

وهي من أجلّ وأجلى صفات أهل الإيمان، قال جل ذكره: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) وقال: (وبشر المخبتين . الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم).

وخشيته سبحانه من أعظم آيات الافتقار والفاقة إليه سبحانه، وحالُه: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه)، وقال سبحانه: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا) [السجدة: ١٦] فهو بين خوف ورجاء وحب لله تعالى.

وشرط الخشية الصادقة أن تكون بالغيب لأن القلب لا يتعلق إلا بالله، ولا يلتفت إلى ما سواه، ويعلم أنه يعلم السر والنجوى، قال تعالى: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة واجر كبير) وقال: (الذين يخشون ربهم بالغيب لوهم من الساعة مشفقون) وقال: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد . هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ . من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) [ق: ٣١ - ٣٣] فربط الخشية بالغيب تنبيه إلى شهود العبد مراقبة ربه جل وعلا، وأنه يخافه بالغيب كما يخشاه في الشهادة، وليس ممن إذا خلا بمحارم الله انتهكها!

وقال ﷺ: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. » وذكر منهم: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»([1]).

وكان علي بن الحسين رحمه الله ورضي عن أبيه يُبَخَّلُ، فلما مات وجدوا أنه يعول أهلَ مئة بيت في المدينة، «ورجل تصدّق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه». فعلموا أنه من أهل الصدقات العظيمة في السرّ.

وفي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة قال العفيف عن الفاحشة وقد تمكن منها: «فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا»([2]) فالخشية سوط يذود به المؤمن قلبه عن مواطن الهلكة وأودية الردى.

وقال عبيد الله بن جعفر: «ما استعان عبد على دينه بمثل الخشية من الله»([3]).

الحادية عشرة: تعظيم الأمر والنهي:

فغاية العبودية: التسليم والانقياد للآمر الناهي محبة وتذلّلًا، قال سبحانه: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) وقال: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحج: ٣٢].

قال ابن القيم رحمه الله: «استقامة القلب بشيئين:

أحدهما: أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب، فإذا تعارض حب تعالى الله وحب غيره سبق حب الله تعالى حب ما سواه، فرتّب على ذلك مقتضاه.

وما أسهل هذا بالدعوى وما أصعبه بالفعل، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان. وما أكثر ما يُقدّم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره وأميره وشيخه وأهله على ما يحبه الله تعالى، فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحابّ، ولا كانت هي الملكة المؤمرة عليها.

وسنّةُ الله تعالى فيمن هذا شأنه أن يُنكّد عليه محابّه([4])، وينغصها عليه، ولا ينال شيئًا منها إلا بنكد وتنغيص، جزاء له على إيثار هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى.

وقد قضى الله تعالى قضاء لا يرد ولا يدفع أن من أحب شيئًا سواه عُذِّب به ولا بدّ، وأن من خاف غيره سلُّط عليه، وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤمًا عليه، ومن آثر غيره عليه لم يبارك فيه، ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولا بد.

الأمر الثاني: تعظيم الأمر والنهي، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي، فإن الله تعالى ذمّ من لا يُعظم أمره ونهيه، قال سبحانه وتعالى: (ما لكم لا ترجون لله وقارا) [نوح: ١٣] قالوا في تفسيرها: ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة. وما أحسن ما قال شيخ الاسلام في تعظيم الأمر والنهي: «هو أن لا يُعارَضا بترخّص جافٍ، ولا يُعرّضا لتشديد غالٍ، ولا يُحملا على علّة تُوهن الانقياد».

فعلامة التعظيم للأوامر رعاية أوقاتها وحدودها، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها، والحرص على تحيّنها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها، والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها، كمن يحزن على فوت الجماعة ويعلم أنه إن تُقُبّلت منه صلاته منفردًا فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفًا، ولو أن رجلًا يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون دينارًا لأكل يديه ندمًا وأسفًا؛ فكيف وكُلُّ ضعف مما تضاعف به صلاة الجماعة خير من ألف وألف ألف وما شاء الله تعالى؟!

فإذا فوّت العبد عليه هذا الربح قطعًا، وهو باردُ القلب، فارغٌ من هذه المصيبة، غيرُ مرتاع لها؛ فهذا من ضعف تعظيم أمر الله تعالى في قلبه، وكذلك إذا فاته أول وقتها الذي هو رضوان الله تعالى، أو فاته الصفّ الأول الذي يصلي الله وملائكته على ميامنه، ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه ولكانت قُرعةً، وكذلك فوّت الجمع الكثير الذي تضاعف الصلاة بكثرته وقلته، فكلما كثر الجمع كان أحب إلى الله عز وجل، وكلما بعدت الخُطا كانت خطوة تحط خطيئة وأخرى ترفع درجة، وكذلك فوّت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يدي الرب تبارك وتعالى الذي هو روحها ولبّها، فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لا روح فيه، أفلا يستحي العبد أن يُهدي إلى مخلوق مثله عبدًا ميتًا أو جارية ميتة؟! فما ظنُّ هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قصده بها من ملك أو من أمير أو غيره؟! فهكذا سواء الصلاة الخالية عن الخشوع والحضور وجمع الهمة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد ـ أو الأمة ـ الميت الذي يريد إهداءه إلى بعض الملوك، ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه وإن أسقطت الفرض في أحكام الدنيا، ولا يثيبه عليها، فإنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها كما في السنن ومسند الإمام أحمد وغيره عن النبي ﷺ إنه قال: «إن العبد ليصلي الصلاة وما كتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها حتى بلغ عشرها»([5]).

وينبغي أن يعلم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى، فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيرًا كاملًا، والناقص بحسبه.

وأما علامات تعظيم المناهي: فالحرص على التباعد من مظانّها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها، وأن يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس، وأن يجانب الفضول من المباحات خشية الوقوع في المكروه، ومجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسّنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته.

ومن علامات تعظيم النهي: أن يغضبَ للهِ عز وجل إذا انتُهكت محارمُه، وأن يجد في قلبه حزنًا وكسرة إذا عُصى اللهُ تعالى في أرضه.

وحقيقة التعظيم للأمر والنهي أن لا يُعارضا بترخّص جافٍ، ولا يعرّضا لتشديد غالٍ، فإن المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله عز وجل بسالكه.

وما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط، وإما افراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد، فإن وجد فيه فتورًا وتوانيًا وترخيصًا؛ أخذه من هذه الخطة فثبّطه وأقعده وضربه بالكسل والتواني والفتور، وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك، حتى ربما ترك العبد المأمور جملة.

وإن وجد عنده حذرًا وجدًّا وتشميرًا ونهضة وأيس أن يأخذه من هذا الباب؛ أمره بالاجتهاد الزائد، وسوّل له أن هذا لا يكفيك، فيحمله على الغلوّ والمجاوزة وتعدي الصراط المستقيم، كما يحمل الأول على التقصير دونه.

عباد الرحمن: إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الآدمي واختاره من بين سائر البرية، وجعل قلبه محلّ كنوزه من الإيمان والتوحيد والاخلاص والمحبة والحياء والتعظيم والمراقبة، وجعل ثوابه إذا قدم عليه أكمل الثواب وأفضله، وهو النظر إلى وجهه والفوز برضوانه ومجاورته في جنته.

وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة والغضب والغفلة، وابتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه، فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه، فتميل نفسه معه لأنه يدخل عليها بما تحب.

فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بجند آخر، وأمدّه بمدد آخر يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه، فأرسل إليه رسوله، وأنزل عليه كتابه، وأيده بملك كريم يقابل عدوه الشيطان، فإذا أمره الشيطان بأمر أمره الملك بأمر ربه، وبيّن له ما في طاعة العدو من الهلاك. فهذا يلمّ به مرّة، وهذا مرّة، والمنصورُ من نصره الله عز وجل، والمحفوظ من حفظه الله تعالى.

وجعل له مقابل نفسه الأمارة نفسًا مطمئنة، إذا أمرته النفس الأمارة بالسوء نهته عنه النفس المطمئنة، وإذا نهته الأمارة عن الخير أمرته به النفس المطمئنة، فهو يطيع هذه مرّة، وهذه مرّة، وهو للغالب منهما، وربما انقهرت إحداهما بالكليّة قهرًا لا تقوم معه أبدًا.

فهو يطيع الناصح مرّة فيبن له رشده ونصحه، ويمشي خلف دليل الهوى مرّة فيقطع عليه الطريق ويؤخذ ماله ويسلب ثيابه، فيقول: تُرى من أين أُتيت؟!

فإن ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه؛ فليتدبر قوله عز وجل: { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة } وقوله عز وجل: { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } وقوله عز وجل: { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون } وقوله عز وجل: { يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما } [طه: ١٠٢ - ١٠٤].

وخطب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يومًا فلما كانت الشمس على رؤوس الجبال وذلك عند الغروب قال: «إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه»([6]).

فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث، وليعلم أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي في الدنيا بأسرها؛ ليعلم أنه في غرور وأضغاث أحلام، وأنه قد باع سعادة الأبد والنعيم المقيم بحظ خسيس لا يساوي شيئًا، ولو طلب الله تعالى والدار الآخرة لأعطاه ذلك الحظ موفورًا وأكمل منه.

الثانية عشرة من علامات الافتقار إلى الله تعالى: أن يعمل على موافقة الله في الصبر والرضى والتوكل والإنابة.

«فهو عاملٌ على مراد الله منه، لا على موافقة هواه، وهو تحصيل مراده من الله. فالفقيرُ خالصٌ بكليته لله سبحانه، ليس لنفسه ولا لهواه في أحواله حظّ ونصيب، منشغل بالله عما سواه، وبأمره عن هواه، وبحُسن اختياره له عن اختياره لنفسه، فهو في واد والناس في واد.

خاضع، متواضع، سليم القلب، سلس القياد للحق، سريع القلب إلى ذكر الله، بريء من الدعاوى لا يدّعي بلسانه ولا بقلبه ولا بحاله. زاهدٌ في كل ما سوى الله، راغب في كل ما يقرب إلى الله، قريب من الناس، أبعدُ شيء منهم، يأنسُ بما يستوحشون منه، ويستوحش مما يأنسون به، متفرّد في طريق طلبه، ولا يفرح بموجود، لا يأسف على مفقود.

من جالسه قرت عينه به، ومن رآه ذكّرته رؤيتُه بالله سبحانه. قد حَمَل كَلَّهُ ومؤنته عن الناس، واحتمل أذاهم، وكفّ أذاه عنهم، وبذل لهم نصيحته، وسبَّل لهم عِرضه ونفسه، لا لمعاوضة ولا لذلة وعجز. لا يدخل فيما لا يعنيه، ولا يبخل بما لا ينقصه.

وصفُهُ الصدق والعفة والإيثار والتواضع والحلم والوقار والاحتمال. لا يتوقّع لما يبذله للناس عوضًا منهم ولا مدحة. لا يعاتِب ولا يخاصم ولا يطالب، ولا يرى له على أحد حقًّا، ولا يرى له على أحد فضلًا.

مقبلٌ على شأنه، مكرم لإخوانه، بخيل بزمانه، حافظ للسانه، مسافر في ليله ونهاره ويقظته ومنامه، لا يضع عصا السير عن عاتقه حتى يصل إلى مطلبه.

قد رُفع له عَلَمُ الحب فشمّر إليه، وناداه داعي الاشتياق فأقبل بكليته عليه. أجاب منادي المحبة أجاب منادي المحبة إذ دعاه: حي على الفلاح، ووصل السُّرى في بيداء الطلب، فحمد عند الوصول سُرَاه، وإنما يحمد القوم السُّرَى عند الصباح.

فحيّ على جنّات عدن فإنها
ولكننا سبيٌ العدو فهل ترى

وحي على روضاتها وخيامها
وحي على يوم المزيد وموعد الـ
وحي على واد بها هو أفيَحٌ
منابرُ من نور هناك وفضة
ومن حولها كثبان مسك مقاعدٌ

يرون به الرحمنَ جل جلالُه
أو الشمس صحوًا ليس من دون أفْقها
وبينا همُ في عيشهم وسرورهم
إذا هم بنور ساطع قد بدا لهم
بربهم من فوقهم وهو قائل

فيا عجبًا ما عذرُ من هو مؤمنٌ


 

منازلُكَ الأولى وفيها المخيمُ
نعود إلى أوطاننا ونسلّمُ
وحيّ على عيش بها ليس يُسأمُ
مُحبّين طوبى للذي هو منهمُ
وتربته من أذفرِ المسك أعظمُ
ومن خالص العِقيانِ لا يتفصّمُ
لمن دونهم هذا الفخار المعظَّمُ
كرؤية بدرِ التَّمِّ
([7])([8]) لا يُتَوَهَّمُ
ضباب ولا غيم هناك يغيّمُ
وأرزاقهم تجري عليهم وتقسمُ
فقيل ارفعوا أبصاركم فإذا همُ
سلام عليكم طبتم وسلِمْتمُ

بهذا ولا يسعى له ويقدمُ([9])

إبراهيم الدميجي

16/ 4/ 1445

aldumaiji@gmail.com

 



([1])  البخاري (660) ومسلم (1031) وهو بتمامه: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدّق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه». والسياق للبخاري. وانقلبت جملة «حتى لا تعلم.. » عند مسلم، فوقعت هكذا: «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله».

([2])  البخاري (3465).

([3])  سير أعلام النبلاء (6/9).

([4])  قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) [البلد: 4]، فنعيم الدنيا منغص لأجل ألا يركن إليها المؤمن. ومن عصى الله تعالى لأجل مخلوق نغّص الله تعالى عليه ذلك المخلوق وأفسده عليه جزاءً وفاقًا. ومن أحب غير الله عُذب به.

([5])  مسند أبي يعلى (1628) وحسنه الألباني في تخريج الإيمان لابن تيمية (1/29).

([6])  أحمد (21/240). وقال ابن حجر في الأمالي المطلقة (199): «حسن، رجاله موثقون، وله شاهد».

([7])  هل تعلم أن في الجنة نعيم ليس من جنس نعيم الدنيا، وليس في الدنيا له شبيه أو نظير أو حتى مثل يقارب المعنى، فالجنة فيها فاكهة ونخل ورمان وأنهار وخمر ولبن وقصور وحور... إلخ. ولكنها حوت نعيمًا لا يمكن تخيله ولا مقاربته ولو بالخيال فهو جنس ليس له مسمّى ولا شبيه في الدنيا والدليل على ذلك قوله تعالى في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين). البخاري (4779) وأعلى نعيم الجنة رؤية الله تبارك وتعالى.

([8])  أي بدر التمام.

([9])  طريق الهجرتين: (1/105 - 115) مختصرًا.

علامات الافتقار إلى الله تعالى (1)

 

علامات الافتقار إلى الله تعالى (1)

 

الحمد لله أنشأ الكون من عدمٍ وعلى العرش استوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبياناً لطريق النجاة والهدى، أحمده -جل شأنه- وأشكره على نعم لا حصر لها ولا منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى والنبي المجتبى, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ العطايا ليست بالدعاوى، فلكل دعوى صحيحة برهان صحيح، وما كلّ من ادّعى افتقارًا محمودًا صادق في دعواه، فعبادات القلوب هي محكّات البراهين (بل الإنسان على نفسه بصيرة) [القيامة: ١٤] وللافتقار المحمود الصادق علامات([1])، منها:

الأولى: تحقيق العبودية لله سبحانه:

فالمؤمن يُسلم نفسه لربه منكسرًا بين يديه، متذللًا لعظمته، مقدمًا حبه سبحانه على كل حب. فالعبادة هي «الخضوع لله بالطاعة، والتذلل له بالاستكانة»([2]).

ومن كانت هذه حالُه؛ وجدته وقّافًا عند حدود الله، مقبلًا على طاعته، ملتزمًا بأمره ونهيه، فثمرة الذل أن لا يتقدم بين يدي الله وسوله مهتديًا بقوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، وقوله: (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).

ثانيًا: شكر الله وحمده:

فليقينه بأن لا رافع لفاقته إلا الله، ولا غنىً إلا من الله؛ فهو دائم الشكر له، متقلبًا في رياض الشكر، لا ينفك شاكرًا نِعَمَهُ وشاكرًا دفع نِقمه، وشاكرًا العافية في دينه ودنياه، وشاكرًا توفيقه للشكر الذي لولا فضل الشكور سبحانه لما وُفِّقَ عبده لشُكرانه. ممتثلًا مدائح الخليل الكريم ﷺ: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين . شاكرا لأنعمه)، سائلًا ربه المزيد من فضله والمزيد من توفيقه لشكره لعلمه بغنى ربه وسعة رحمته وعميم فضله (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرًا عليما) [النساء: ١٤٧] مازجًا شكره بصبره وصبره بشكره، قد أعدّ لكل نعمة شكرًا ولكل بليّة صبرًا كما قال ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن أن أمره كله له خيرٌ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له»([3]).

ملازمًا الذكر بشكر وحمد وثناء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدى شكر ذلك اليوم»([4]).

حافظًا وصيّة رسول الله ﷺ وكنزه، فعن شداد بن أوس ؓ قال: سمعت من رسول الله ﷺ يقول: «إذا اكتنز الناس الدنانير والدراهم، فاكتنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك. وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب»([5]).

والمؤمن المفتقر لربه مسارع لشكر من أسداه معروفًا من الناس حتى لا يبقى في قلبه لغير الله تعلق، ويعلم أن الله هو من يسر على أيديهم تلك النعمة والمعروف، وعن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «لا يَشْكُرُ الله من لا يَشْكُرُ النَّاس»([6]).

ثالثًا: دوام ذكر ربه تعالى:

فلا يطمئن قلبه إلا بذكر ربه (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد: ٢٨] «ومن فُتح له فيه؛ فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل، فليتطهّر وليدخل على ربه عز وجل؛ يجد عنده كل ما يريد، فإن وجد ربه عز وجل؛ وجد كل شيء، وإن فاته ربه عز وجل؛ فاته كل شيء.

يا عباد الرحمن: إن في قلب الإنسان خلّة وفاقه لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز وجل، فإذا صار شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة واللسان تبع له فهذا هو الذكر الذي يسدّ الخلّة ويغني الفاقة، فيكون صاحبه غنيًّا بلا مال، عزيزًا بلا عشيرة، مهيبًا بلا سلطان.

فإذا كان غافلا عن ذكر الله عز وجل؛ فهو بضد ذلك، فقير مع كثرة جِدَتِه، ذليل مع سلطانه، حقير مع كثرة عشيرته»([7]).

رابعًا: التواضع للحق والخلق:

فلا يردُّ حقًّا استبان له ولا يبطره، ولا يحتقر مخلوقًا حتى وإن رأت نفسه القاصرة فضلًا لها عليه، فالعبرة بالمخابر أولًا لا المظاهر، ثم بالخواتيم، وما أدراك ما الخواتيم!

وكيف للمفتقر لربه أن يرى لنفسه علوًّا في الأرض وهو يُرتل قول الحق الكبير المتعال: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) [القصص: ٨٣] ويسمع قول رسول الهدى ﷺ واصفًا عظمة ربه سبحانه: «قال اللهُ تبارك وتعالى: الكبرياءُ ردائي، والعظمةُ إزارِي، فمن نازَعَني واحِدًا منهما قذفتُه في النَّارِ»([8]).

خامسًا: النزوع للتوبة والاستغفار، وعدم الإصرار على الخطايا:

المفتقر لربه تعالى يمتثل أمره إذ قال: (وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون)، منتظرًا منشور البشارة ومرقوم الفرح في قول الرحيم التواب الغفور: (يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) [التحريم: ٨].

والعبد الصالح إذا زلّت به القدم ــ ولا بد له من ذلك فكل بني آدم خطّاء ــ اتّصف بصفتين متلازمتين:

الأولى: سرعة الندم والرجوع إلى الله. كما قال الله تعالى في وصف عباده: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) [آل عمران: ١٣٥].

والثانية: عدم الاستهانة بالمعاصي. فلا يقترب من كبيرة ولا يصر على صغيرة مهما صغّرتها نفسه الأمّارة، بين عينيه قول رسوله ﷺ: «إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبُها تهلكه»([9]).

وقال ابن مسعود ؓ: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا»([10])

سادسًا: الزهد في حطام الفانية، والمنافسة في نعيم الباقية:

فالمفتقر إلى ربه يعلم أن هناك دارًا قد ارتضاها الله لخُلّص عباده، وأن هذه الدنيا يعطيها من يحب ومن لا يحب، أما تلك النفيسة فلا يعطيها إلا أحبابه وأولياءه، فهو يمتثل بقلبه قول ربه تبارك وتعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان ومنا الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) [الحديد: ٢٠] .

وسئل الإمام أحمد ؒ: هل يكون لدى الرجل مئة ألف ويكون زاهدًا في الدنيا؟ فقال: «نعم، إذا كانت في يده لا في قلبه».

سابعًا: محبة الخلوة بربة ونجواه والأنس به:

فهو بالله ولله وفي الله، يعلم أن الخلائق حُجبٌ عن ربه إلا ما كان لله وفي الله. فهو دائم اللهج بذكر ربه بقلبه قبل لسانه، لا يكاد ينفك عن مناجاته والأنس به والتلذذ بالتقرب إليه بالصالحات، يسابق عمره بعمله، وبذكره أنفاسه، ويبادر أجله بالاستعداد لما بعده، ويملأ صدره بالسرور والفرح والغبطة بأن خصّه الله بمعرفته والأنس به، ويسأل الله المزيد من جوده وإحسانه.

ثامنًا: التعلّق بالله تعالى وبمحبوباته:

فلا ينقطع حبل صلته بربّة، فنياط فؤاده قد عُلّقت في الملأ الأعلى، فهو مع الناس بجسمه ومع الملائكة المسبحين بروحه، قد ارتفعت روحه من ثَقْلَةِ الطين وجذب الجسد لنور الملأ الأعلى، فروحه تجول بين السماوات مسبحة حامدة مصلية شاكرة. يعلم أنه في الدنيا للمهلة، وفي ساعاتها للابتلاء، موقن بوعد ربه للمتقين أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فهو في فرح بفضل الله ورجاء لما في يديه من فضله، وخوف وإشفاق من ذنوبه وسيئاته. (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) [يونس: ٦٢ - ٦٤] نسأل الله الكريم من فضله([11]).

قال بعض الصالحين: «مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب»([12]) والمؤمن لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وهو برٌّ متعلق بالبرّ الحق سبحانه يبحث عن البِرِّ في مظانّه: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) [البقرة: ١٧٧].

وفي الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. » وذكر منهم: «رجل معلّق قلبه بالمساجد»([13]) قال الحافظ ابن حجر: «إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنه»([14]).

بارك الله لي ولكم..

....................

الخطبة الثانية

الحمد لله....

عباد الرحمن: ومن علامات افتقار العبد إلى الله تعالى:

تاسعًا: الوجل من عدم قبول العمل:

فهو مع اجتهاده مشفق من رد أعماله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله ﷺ عن هذه الآية: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) [المؤمنون: ٦٠] أهًم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا ابنة الصدّيق، ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدّقون، وهم يخافون أن لا يُقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات»([15]).

وحينما احتُضِرت رضي الله عنها عادها ابن عباس رضي الله عنهما وبشّرها بصالح أعمالها فقالت: «دعني منك يا ابن عباس، والذي نفسي بيده لوددتُ أني كنت نسيًا منسيّا»([16]). وهذا لعظمة علمها بالله تعالى وخشيتها وورعها وتواضعها، وإلا فهي تعلم أنها زوجة رسول الله ﷺ في الجنة.

قال الحافظ ابن حجر معلّقًا على قولها: «هو على عادة أهل الورع في شدّة الخوف على أنفسهم»([17]).

وتتأكد حقيقة الوجل من رد الأعمال بأربعة أمور:

الأول: أن الله عز وجل غني عن طاعات العباد.

قال تعالى: (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) وقال سبحانه: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) وقال سبحانه: (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم) [النمل: ٤٠]

الثاني: أن القبول هو محض فضل الله ورحمته.

ولهذا قال رسول الله ﷺ: «والله لا أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي ولا بكم»([18]).

فإذا كان هذا حال سيد ولد آدم ﷺ، فكيف بغيره من الناس؟!

وقال ﷺ: «لن يُنجي أحدًا منكم عملُه» قالوا: ولا انت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته»([19]).

وقد كان الصحابة يخشون على أنفسهم النفاق. قال الجعد أبو عثمان: قلت لأبي رجاء العطاردي: هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله ﷺ يخشون النفاق؟ قال: «نعم، إني بحمد الله قد أدركت منهم صدرًا حسنًا، نعم شديدًا، نعم شديدًا»([20]).

الثالث: أن المنّة لله جميعًا.

قال تعالى: (يمنون عليك ان أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) [الحجرات: ١٧].

وفي الحديث الربّاني قال الله تعالى: «يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدِكم»([21]).

الرابع: أن العبد لا يأمن على نفسه الفتنة.

فقد ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: «إنَّ قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب رجل واحد يصرّفه حيث يشاء»([22]) ومن دعائه ﷺ: «اللهم مصرّف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك»([23]).

وعن جبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص، فإذا هو قائم يصلي في مسجده، فلما جلس يتشهد فجعل يتعوذ بالله عز وجل من النفاق. فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء، ما أنت والنفاق؟! ما شأنك وما شأن النفاق؟! فقال: «اللهم غُفْرًا ــ ثلاثًا ــ لا يأمن البلاءَ من يأمن البلاء، والله إن الرجل ليُفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه»([24]).

وقال مطرف الشخّير: «لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا؛ أحب إلي من أبيت قائمًا فأصبح مُعجبًا»([25]). فوجلُ المذنبين التائبين أحب إلى الله تعالى من زجل المسبحين المُدلّين.

اللهم صل على محمد...

 

إبراهيم الدميجي

16/ 4/ 1445

aldumaiji@gmail.com

 

 

 



([1])   الافتقار إلى الله لُبُ العبودية، أحمد الصويان (21 - 63) وبعض هذه العلامات ملخّصةٌ منه.

([2])  تفسير الطبري (1/155).

([3])  مسلم (2999).

([4])  موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (7/ 389) وحسنه المحقق حسين أسد. وانظر: جامع الأصول (4/ 245، 252).

([5])  رواه أحمد (9407) بسند حسن. وللحافظ ابن رجب رسالة لطيفة في شرحه.

([6])  سنن أبي داود (4811) وصححه الأرناؤوط.

([7])  الوابل الصيب لابن القيم (138 – 138).

([8])  رواه أبو داود أبي داود (6/ 189) وصححه الأرنؤوط، ورواه أحمد (7382) وهو في "الزهد" لهناد (825)، وأخرجه ابن ماجه (4174).

([9])  أحمد (22808) وصححه الأرناؤوط.

([10]) البخاري (6308).

([11]) وقد سبق الكلام عن الأنس بالله والتعلق به في كتب مستقلة.

([12]) شذرات الذهب (2/326).

([13]) البخاري (2/143) ومسلم (660).

([14]) الفتح (2/145).

([15]) أحمد (25263) والترمذي (3175) وابن ماجه (4198) وصححه الألباني في السلسلة (162).

([16]) أحمد (2496) وقوى إسناده المحقق، ورواه مختصرًا البخاري (4753).

([17]) فتح الباري (8/ 484).

([18]) البخاري (7018) والمراد: أي على التفصيل له، أما الإجمال بالنجاة والسعادة فقطعي له، ولبعض من علِم من أمته.

([19]) البخاري (6463) ومسلم (2816).

([20]) أبو نعيم في الحلية (2/307).

([21]) مسلم (2577).

([22]) مسلم (2654).

([23]) مسلم (2654).

([24]) صفة النفاق وذم المنافقين للفريابي ص (69) رقم (74) وصحح المحقق إسناده.

([25]) الزهد لابن المبارك (151).