إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 1 يونيو 2022

(خذوا ما آتيناكم بقوة)

 

(خذوا ما آتيناكم بقوة)

 

الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم.. فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد؛ فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينكم، وخذوا ما آتاكم الله بقوة.

عباد الرحمن؛ احفظوا ألسنتكم مما يسخط الله، واستعملوها فيما خلقت له، وتأدبوا مع الله تعالى، واعلموا أن من عدم حفظ اللسان سبُّ الدّهر، لأنه راجع لمدبّره سبحانه وتعالى، وهذا في الغاية من سوء الأدب. قال ابن القيم رحمه الله: "ومن ذلك أن تطلق ألفاظ الذمّ على من ليس من أهلها، فمثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن سبّ الدهر وقال: "إنّ الله هو الدّهر". (1) وفي حديث آخر يقول الله عز وجل: "يؤذيني ابن آدم، فيسبّ الدّهر، وأنا الدّهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار". (2) وفي حديث آخر: "لا يقولنّ أحدكم: يا خيبة الدهر". (3) وفي هذا ثلاث مفاسد عظيمة:

 إحداها: سبُّه من ليس بأهل أن يُسبّ، فإنّ الدهر خلق مُسَخّر من خلق الله منقاد لأمره مذلّل لتسخيره، فسابُّه أولى بالذمّ والسبّ منه.

الثانية: أن سبّه متضمّنٌ للشرك، فإنّه إنّما سبّه لظنّه أنه يضرّ وينفع، وأنه مع ذلك ظالم قد ضرّ من لا يستحق الضرر، وأعطى من لا يستحق العطاء، ورفع من لا يستحق الرفعة، وحرم من لا يستحق الحرمان. وهو (4) عند شاتميه من أظلم الظلمة، وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سبّه كثيرة جدًّا. وكثير من الجهّال يصرّح بلعنه وتقبيحه.

 الثالثة: أنّ السبّ منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتّبَعَ الحقّ فيها أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، وإذا وقعت أهواؤهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه. وفي حقيقة الأمر فربّ الدهر تعالى هو المعطي المانع الخافض الرافع المعزّ المذلّ، والدهر ليس له من الأمر شيء، فمسبّتهم للدهر مسبّة لله عز وجل، ولهذا كانت مؤذية للرب تعالى (5) كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: "يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر وأنا الدهر". (6) وما أكثر ما يقع سب الدهر من الشعراء هداهم الله تعالى.

 فسابّ الدهر دائر بين أمرين لا بدّ له من أحدهما: إمّا سبّه لله أو الشرك به، فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك وهو يسبّ من فعله فقد سبّ الله. ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولنّ أحدكم: تعس الشيطان، فإنّه يتعاظم حتى يكون مثل البيت، فيقول: بقوّتي صرعتُه. ولكن ليقل: بسم الله، فإنّه يتصاغر حتى يكون مثل الذباب". (7) وفي الأثر: "إن العبد إذا لعن الشيطان يقول: إنّك لتلعنُ مُلَعَّنًا". (8) (9)

ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن قول القائل بعد فوات الأمر: "لو أني فعلت كذا وكذا، وقال إن لو تفتح عمل الشيطان". (10) وأرشده إلى ما هو أنفع له من هذه الكلمة وهو أن يقول: قدر الله وما شاء فعل، وذلك لأن قوله: لو كنت فعلت كذا وكذا؛ لم يفتني ما فاتني، أو لم أقع فيما وقعت فيه. كلام لا يُجدي عليه فائدة البتة، فإنه غير مستقبِلٍ لما استدبر من أمره، وغير مستقيلٍ عثرته بـ"لو". وفي ضمن "لو" ادعاء أن الأمر لو كان كما قدّره في نفسه لكان غير ما قضاه الله وقدّره وشاءه، فإنّ ما وقع ممّا يتمنّى خلافه إنما وقع بقضاء الله وقدره ومشيئته، فإذا قال: لو أنّي فعلت كذا لكان خلاف ما وقع فهو محال، إذ خلاف المُقَدَّر المَقضِيِّ مُحال، فقد تضمّن كلامه كذبًا وجهلًا ومُحالًا، وإن سلم من التكذيب بالقدر لم يسلم من معارضته بقوله: لو أني فعلت كذا لدفعت ما قدّر الله علي.

فإن قيل: ليس في هذا ردّ للقدر ولا جحد له، إذ تلك الأسباب التي تمنّاها أيضًا من القَدَر. فهو يقول: لو وقفت لهذا القَدَر لاندفع به عني ذلك القَدَر، فإن القَدَر يُدفع بعضه ببعض، كما يدفع قدَر المرض بالدواء، وقدَر الذنوب بالتوبة، وقدَر العدو بالجهاد، فكلاهما من القدر.

 قيل: هذا حقّ، ولكن هذا ينفع قبل وقوع القدر المكروه، وأما إذا وقع فلا سبيل إلى دفعه، وإن كان له سبيل إلى دفعه أو تخفيفه بقدَر آخر فهو أولى به من قوله: لو كنت فعلته، بل وظيفته في هذه الحالة أن يستقبل فعله الذي يدفع به أو يخفّف أثر ما وقع، ولا يتمنّى ما لا مطمع في وقوعه، فإنه عجز محض، والله يلوم على العجز، ويحب الكَيْس ويأمر به، والكَيْسُ: هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده، فهذه تفتح عمل الخير، وأما العجز فإنه يفتح عمل الشيطان، فإنه إذا عجز عما ينفعه وصار إلى الأماني الباطلة بقوله: لو كان كذا وكذا، ولو فعلت كذا، يفتح عليه عمل الشيطان، فإنّ بابه العجز والكسل، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منهما، وهما مفتاح كلّ شرّ، ويصدر عنهما الهمّ، والحزن والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال فمصدرها كلها عن العجز والكسل، وعنوانها: "لو". فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنّ لو تفتح عمل الشيطان". فالمتمنّي مِنْ أعجزِ الناس وأفلسِهم، فإنّ التمنّي رأس أموال المفاليس، والعجز مفتاح كلّ شرّ.

 وأصل المعاصي كلّها العجز، فإن العبد يعجز عن أسباب أعمال الطاعات وعن الأسباب التي تبعده عن المعاصي، وتحول بينه وبينها، فيقع في المعاصي، فجمع هذا الحديث الشريف في استعاذته صلى الله عليه وسلم من أصول الشرّ وفروعه ومباديه وغاياته وموارده ومصادره، وهو مشتمل على ثماني خصال كل خصلتين منها قرينتان، فقال: "أعوذ بك من الهمّ والحزن". (11) وهما قرينان فإن المكروه الوارد يكون سببه أمرًا ماضيًا فهو يُحدث الحُزن، وإما أن يكون توقّع أمرٍ مستقبل فهو يُحدث الهمّ، وكلاهما من العجز، فإنّ ما مضى لا يُدفع بالحزن بل بالرضا والحمد والصبر والإيمان بالقدر وقول العبد: قدر الله وما شاء فعل. وما يُستقبل لا يُدفع أيضًا بالهمّ، بل إما أن يكون له حيلة في دفعه فلا يعجز عنه، وإما ألا تكون له حيلة في دفعه فلا يجزع منه، ويلبس له لباسه، ويأخذ له عدّته، ويتأهّب له أهبته اللائقة به، ويستجنّ بجُنّة حصينة من التوحيد والتوكل والانطراح بين يدي الرب تعالى، والاستسلام له والرضا به ربًّا في كل شيء، ولا يرضى به ربًّا فيما يُحب دون ما يكره، فإذا كان هكذا لم يرض به ربًّا على الإطلاق، فلا يرضاه الرب له عبدًا على الإطلاق.

بارك الله لي ولكم..

.............

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، أما بعد؛ فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الهم والحزن لا ينفعان العبد البتة، بل مضرّتهما أكثر من منفعتهما، فإنهما يضعفان العزم، ويوهنان القلب، ويحولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه، ويقطعان عليه طريق السير، أو ينكسانه إلى وراء، أو يعوقانه أو يحجبانه عن العَلَم الذي كلما رآه شمّر إليه وجدّ في سيره، فهما حِمْلٌ ثقيلٌ على ظهر السائر.

 بل إن عاقه الهمّ والحزن عن شهواته وإراداته التي تضرّه في معاشه ومعاده انتفع به من هذا الوجه، وهذا من حكمة العزيز الحكيم أن سلّط هذين الجندين على القلوب المعرضة عنه الفارغة من محبته وأريد بها الخير؛ كان هذا حظّها من سجن الجحيم في معادها، ولا تزال في هذا السجن حتى تتخلص إلى فضاء التوحيد والإقبال على الله والأنس به وجعْلِ محبته في محل دبيب خواطر القلب ووساوسه، بحيث يكون ذكره تعالى وحبّه وخوفه ورجاؤه والفرح به والابتهاج بذكره هو المستولي على القلب الغالب عليه الذي متى فقده فَقَدَ قُوْتَه الذي لا قوام له إلا به، ولا بقاء له بدونه، ولا سبيل إلى خلاص القلب من هذه الآلام التي هي أعظم أمراضه وأفسدها له إلا بذلك، ولا بلاغ إلا بالله وحده، فإنه لا يُوصِلُ إليه إلا هو، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، ولا يدلّ عليه إلا هو، وإذا أراد عبدَه لأمر هيّأه له، فمنه الإيجاد ومنه الإعداد ومنه الإمداد، وإذا أقامه في مقام أي مقام كان فبحمده أقامه فيه، وبحكمته أقامه فيه، ولا يليق به غيره، ولا يصلح له سواه، ولا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع، ولا يمنع عبده حقًّا هو للعبد فيكون بمنعه ظالمًا له، بل إنّما منعه ليتوسّل إليه بمحابّه ليعبده وليتضرّع إليه ويتذلّل بين يديه ويتملّقه، ويعطي فقره إليه حقّه بحيث يشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة فاقةً تامّة إليه على تعاقب الأنفاس، وهذا هو الواقع في نفس الأمر وإن لم يشهده العبد، فلم يمنع الرب عبده ما العبد محتاج إليه بُخلًا منه ولا نقصًا من خزائنه ولا استئثارًا عليه بما هو حق للعبد، بل مَنَعَهُ ليردّه إليه، وليعزّه بالتذلّل له، وليغنيه بالافتقار إليه، وليجبره بالانكسار بين يديه، وليذيقه بمرارة المنع حلاوة الخضوع له ولذة الفقر إليه، وليلبسه خِلْعَة العبودية، ويولّيه بعزله أشرف الولايات، وليُشهده حكمته في قدرته، ورحمته في عزته، وبرّه ولطفه في قهره. وأن منعه عطاء، وعزله تولية، وعقوبته تأديب، وامتحانه محبة وعطيّة، وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه به إليه. (12)

 وبالجملة؛ فلا يليق بالعبد غير ما أقيم فيه، وحكمته وحمده أقاماه في مقامه الذي لا يليق به سواه، ولا يحسن أن يتخطّاه، والله أعلم حيث يجعل مواقع عطائه وفضله، و{ الله أعلم حيث يجعل رسالته }، { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين }. فهو سبحانه أعلم بمواقع الفضل ومحالِّ التخصيص ومحالِّ الحرمان، فبحمده وحكمته أعطى، وبحمده وحكمته حرم، فمن ردّهُ المنع إلى الافتقار إليه والتذلّل له وتملّقِهِ انقلب المنع في حقّه عطاء، ومن شغله عطاؤه وقطَعَه عنه انقلب العطاء في حقّه منعًا.

 فكلّ ما شغل العبدَ عن الله فهو مشؤوم عليه، وكلّ ما ردّه إليه فهو رحمة به، والرب تعالى يريد من عبده أن يفعل، ولا يقع الفعل حتى يريد سبحانه من نفسه أن يعينه، فهو سبحانه أراد منّا الاستقامة دائمًا، واتّخاذ السبيل إليه، وأخبرنا أن هذا المراد لا يقع حتى يريد من نفسه إعانتنا عليها ومشيئته لنا، فهما إرادتان: إرادةٌ من عبده أن يفعل، وإرادةُ من نفسه أن يعينه، ولا سبيل له إلى الفعل إلا بهذه الإرادة، ولا يملك منها شيئا، كما قال تعالى: { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين). فإن كان مع العبد روح أخرى،(13) نسبتها إلى روحه كنسبة روحه إلى بدنه، يستدعي بها إرادة الله من نفسه أن يفعل به ما يكون به العبد فاعلًا، وإلا فمحلُّه غير قابل للعطاء، وليس معه إناء يوضع فيه العطاء، فمن جاء بغير إناء رجع بالحرمان، ولا يلومنّ إلا نفسه!

 والمقصود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الهمّ والحزن، وهما قرينان، ومن العجز والكسل، وهما قرينان، فإنَّ تخلُّفَ كمالِ العبد وصلاحه عنه إمّا أن يكون لعدم قدرته عليه فهو عجز، أو يكون قادرًا عليه لكن لا يريد فهو كسل، وينشأ عن هاتين الصفتين فواتُ كلِّ خير وحصولُ كلّ شر، ومن ذلك الشرّ تعطيله عن النفع ببدنه وهو الجبن، وعن النفع بماله وهو البخل، ثم ينشأ له بذلك غلبتان: غلبةٌ بحقّ وهي غلبة الدَّين، وغلبة بباطل وهي غلبة الرجال.

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم صل على محمد..

...............

1-                   البخاري (6182) قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل (9 / 1): "قوله في الحديث القدسي: "وأنا الدهر" لا يُفهم منه أنَّ الدهر من أسماء الله تعالى؛ بل يعني أنَّ الذي سبّ الدهر وقعت مسبّته على الله تعالى؛ لأنَّ الله هو الذي يُصرِّف الدهر كيف يشاء.

إذا تبين ذلك وقد ذكرنا مرارًا أنّ وصف الدهر بأوصافٍ ممّا يقع فيه من الأوصاف المشينة ليست مسبّةً للدهر، فقول القائل: هذا يوم أسود، أو هذا الشهر شهر نحس، أو نحو ذلك، فإن هذا ليس بمسبّةٍ للدهر، لأن هذا وصفٌ لما يقع في الدهر، لما يقع في اليوم، أو لما وقع فيه، لما يقع في الشهر، أو لما وقع فيه، وهذا كما قال تعالى: (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) وقال سبحانه: (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فوصف الله تعالى الأيام التي عذّب بها الكفرة أنّها أيام نحيسة، فمثل هذا ليس بسبّ للدهر؛ لأنه وصفٌ لما وقع فيه بالإضافة إلى المخلوق". أهـ.

قلت: والفرق بين وصف الدهر بما يقع فيه وبين سبّ الدهر أن الوصف ذكرٌ لأمرٍ خلَقَه الله كالحرّ والبرد والجدب والشدّة والوباء ونحو ذلك، أما السبّ فوصفه أو تهمته بقبيح ليس فيه كالظلم والكفر، أو بلعنه ونحو ذلك، أما وصفه بالنحس والشؤم فالأظهر المنع، وذلك أن النحس والشؤم وصف لأمر لا تُدرى عاقبته ولا يُعلم مآله، وفيه نوعُ تألٍّ على الله تبارك وتعالى، خلا ما علمنا أنه عذاب بسبب الذنوب والكفر والفسوق كما قصّ الله علينا مِن أخبار من غَبَر. فإن احتجَّ أحد بقول الله تعالى: (في يوم نحس مستمر) فلا يرد ذلك علينا هنا، لأن الخلق مفتقرون لعلمِ حقائق ومآلات الأمور، أما الله تعالى فهو بكل شيء عليم. وبالله التوفيق.

2-                  البخاري (4826) مسلم (6000) قال ابن تيمية: "فقوله في الحديث: "بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار" يبيّن أنه ليس المراد به أنّه الزمان، فإنه قد أخبر أنه يقلّب الليل والنهار، والزمان هو الليل والنهار؛ فدلّ نفس الحديث على أنه هو يقلب الزمان ويصرّفه، كما دل عليه قوله تعالى: { ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار . يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار }. وإزجاء السحاب: سَوقُه، والودق: المطر". الفتاوى (2 / 491)

3-                   الموطأ (609) وأحمد (2/394) (9105) والأدب المفرد (769) وصححه الألباني في الجامع (7768) وللفائدة: اعلم أن كل ما في الموطأ من المرفوعات صحيح. أما سوى ذلك من البلاغات والموقوفات ونحوها ففيها الصحيح وما دونه.

4-                  أي الدهر.

5-                   والأذى غير الضرر، فالضرر منفيّ، وفي الحديث القدسي: "إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني". مسلم (6737)

6-                   البخاري (4826) مسلم (6000)

7-                   أبو داود (4982) وصححه الألباني.

8-                   لم أجده مرفوعًا، ولكن وجدته عند أبي نعيم في حلية الأولياء (1/59) بسنده عن الأوزاعي قال حدثنا حسان قال: "إنّ العبد..". وقد سئل عنه الدارقطني في العلل (١٩٣٨) ورجح وقفه على أبي هريرة.

9-    قال الشيخ ابن باز: "لا حرج في لعنه، ولكن التَّعوذ بالله أحسن، التَّعوذ بالله من الشيطان الرجيم أفضل، وإن لعنه فلا بأس، فقد لعنه النبيُّ ﷺ: جاء في الحديث الصحيح أنَّ الشيطان تفلَّتَ عليه وهو يُصلي، فقال له: "ألعنُك بلعنة الله"، فإذا لعنه فلا بأس، وإن استعاذ بالله من شرِّه فذلك أفضل، وكلاهما جائزٌ". أهـ. من موقعه جوابًا على سؤال: ما حكم سب أو لعن إبليس؟

وفي مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (٣/ ٩٣): سئل فضيلة الشيخ برقم (٤٩١): عن حكم لعن الشيطان؟ فأجاب بقوله: "الإنسان لم يؤمر بلعن الشيطان، وإنما أمر بالاستعاذة منه كما قال الله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم)، وقال تعالى في سورة فصلت: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم)".

وقال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى في شرح العقيدة الطحاوية (١/ ٢١٤): "اختلف فيها أهل العلم على قولين:

القول الأول: منهم من أجاز لعنه بعينه لقول الله: ﴿إنْ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إلّا إناثًا وإنْ يَدْعُونَ إلّا شَيْطانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ [النساء:١١٧-١١٨]، وما جاء في الآيات في لعن إبليس وطرده عن رحمة الله.

القول الثاني: أنه لا يُلْعَنْ إبليس ولا الشيطان لما صَحَّ في الحديث أنّ النبي ﷺ نهى عن لعن الشيطان أو عن لعن إبليس وقال: «لا تلعنوه فإنه يتعاظم». المسند (٢٣١٤١) رواه تمّام في فوائده وغيره بإسناد جيد، قالوا: فهذا يدل على النهي عن اللّعن، وهذا متّجه في أنّ اللعن عمومًا في القاعدة الشرعية أنّ المسلم لا يلعن؛ لأنّ اللعن منهي عنه المؤمن بعامة، ومن أعظم ما يكون أثرًا للعن أنّ اللَّعان لا يكون شفيعًا ولا شهيدًا يوم القيامة".

10-                                   مسلم (8/56) عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنى فعلت كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". ويصحُّ: قَدَرُ الله، وقَدَّرَ الله. قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "يصح أن يقال: "قَدَرُ الله" وهو الأقرب والأولى، والمعنى: هذا قدرُ الله".

11-                                   البخاري (2893) ومسلم (1365) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة: "التمس غلامًا من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر". فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرًا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال". ويصح باللفظين: الحَزَن، والحُزْن.

12-                                  وهذه حروف شريفة من نوادر الكلم، ودررٌ نفيسة من جواهر العلم، ففيها برْدُ سكينة، ودفء طمأنينة، وطيب يقين، وسلام إيمان، رحم الله الإمام ابن القيم، فها نحن نقطف من ثمار كتبه، ونستقي من قليب علمه، ونشيمُ بارقةَ أدبه، ونَرِدُ ساحل بحره، ونستوكف قطر مُزنه، جمعنا الله جميعًا ووالدينا به في دار كرامته.

13-                                  أي روح الإيمان واليقين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق