إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 31 مايو 2022

السَّكِينة (1)

 

السَّكِينة (1)

 

 الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى. أما بعد؛ فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن الله تعالى شكور حميد سبحانه، فإذا صدق العبد معه باطنًا وظاهرًا في إيمانه؛ فإن الله يكافئه بإلباسه من نور الراحة وهالة الأمن لمن رآه، وضياء السرور لمن عامله، وبهاء الهيبة لمن عرفه، وهذه علامات وثمرات، ثم يأخذ بيد توفيقه لمزيدٍ من كرائم منحه وجسائم عطاياه الدينية، فالحسنة تجلب أختها برحمة الله، ولا يزال العبد يترقى في دَرَج الرضا ومعارج القبول حتى يرحل عن الدنيا للرفيق الأعلى راضيًا مرضيًّا. فمن منح الله تعالى لعبده المؤمن السكينة.

وكيف لا تسكنُ نفسٌ سبحت في بحار الرضا عن ربها، فخضعت له ربًّا وخشعت له إلهًا ورضيت به معبودًا وفرحت به مألوهًا لها، فهي تجري في فضاء حُبّه، وتسبح في الثقة به واليقين به والتعلق به. قد وقف بها حبُّه عن حب ما سواه، ووثقت بوعده فاكتفت به عن غيره، وفوّضت أمرها بين يديه إحسانًا لظنها به، واستسلمت لقضائه ليقينها بحسن تدبيره ولطفه ورفقه وحكمته ورحمته وعلمه وبرّه. ومن رجز الصحابة المرضيين يوم الخندق وفيهم رسول الهدى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا   ...   ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فأنزلنْ سكينةً علينا   ...   وثبّت الأقدام إن لاقينا

إنّ الأُلَى قد بغوا علينا   ...  إذا أرادوا فتنة أبينا

وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بكلمة "أبينا، أبينا" (1):

قال ابن القيم رحمه الله في معنى السكينة: "السكينة من السكون وهو طمأنينة القلب واستقراره، وأصلها في القلب، ويظهر أثرها على الجوارح. وهي عامة وخاصة". (2)

ومن أمتع وأعظم جوالب السكينة قراءة القرآن، وهي من مدارج السكينة ومُتَنَزّلاتها كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا غشيتهم الرحمة، وتنزلتْ عليهم السكينةُ، وحَفتْهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عنده". (3) قال شيخ الإسلام: "لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر في جماعة، فيحصل ذلك للشخص الواحد، روى البخاري ومسلم حديث أُسَيْد بن حُضَيْر الذي كان يقرأ القرآن في مِرْبده (4) وبجواره ولده وفرسه، (5) وجاء فيه: فإذا مثل الظُّلّة فوق رأسي، فيها أمثال السُّرَج عرجت في الجو حتى ما أراها! فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "تلك الملائكة تستمع لك، ولو قرأت لأصبَحَتْ يراها الناس ما تستتر منهم". (6) (7) وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "قرأ رجل الكهف، وفي الدار الدابة، فجعلت تنفر، فسلّم، فإذا ضبابة أو سحابة غشيته؛ فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "اقرأ فلان، فإنها السكينة، نزلت للقرآن أو تنزلت للقرآن". (8) قال العيني رحمه الله تعالى: "والرجل هو أسيد بن حضير.. والضبابة المذكورة هي السكينة، واختلفوا في معناها فقيل: هي الملائكة وعليهم السكينة، والمختار: أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة، ومعه ملائكة يستمعون القرآن". (9)

عباد الله: إن من أعظم جوالب السكينة للمؤمن تدبر كتاب الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، فكتاب الله تعالى زاد لا ينقص، وسقاء لا ينضب، وبحر لا يغيض، بل يفيض على القلب والروح حتى تحلّق وتسمو في سماء ليست بسماء دنيا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

 وفي القرآن أمرٌ عجيب؛ وهو أنّ كل من تلاه بتدبّر وجد فيه حلًّا لمشكلاته، وزوالًا لجهالاته، وبلسمًا لجراحاته، وبصيرة لمنهاجه. فكلُّ مشكلةٍ في العالم فحلُّها في الكتاب العزيز، وكلُّ تساؤل في الخليقة فجوابه فيه إجمالًا أو تفصيلًا أو دلالة، وصدق الله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا)، (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها). فتجد النفرَ يتلون آيات واحدة، أو يستمعونها بتدبّر، فتصنع في صدورهم الأعاجيب، فهذا يجد فهمًا لجانبٍ من حياته نبّهته إليه الآية، وذاك يجد عزاءً لفقدٍ، أو لحرمانِ نفسه من بعض مشتهياتها، أو لما تجرّعته من غُصص آلامها، وآخر يجد برهانًا لفكرة تحيط به ولمّا يتوثّق منها، وغيره يرى إنذارًا لتفريط وقع فيه، وتلك تستمع لآية آنَسَتها فأنْسَتها همًّا ألمّ بها، وشوّقتها لله تعالى والدار الآخرة، بل أعجب من ذلك أنّ الشخص الواحد يقرأ الآية مرارًا ويجد في كل تدبّرٍ معنًى جديدًا يثري علمه بربه تعالى، ذلك أن القرآن العظيم هو علمُ العلوم، فهو كتاب لا تشبع منه العلماء، ولا يخلَقُ من كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه. فلا إله إلا الله، ما أعظمَ الله، وأعظمَ كلامه، وأكبرَ نعمته علينا به!

فتدبروا القرآن عباد الرحمن، ورتلوه وحسنوا أصواتكم به، قال عز وجل: (ورتل القرآن ترتيلا). وقد كان صلى الله عليه وسلم يتأوّلُ ذلك فيرتل القرآن كما أمره ربه. وكان يمدّ قراءته حرفًا حرفًا، ويقف على رؤوس الآي، ويقرأ السورة حتى تكون أطول من أطول منها. بمعنى أن قراءته أبطأ من القراءة المعتادة لغيره من الناس. وكلُّ هذا لتحصيل المقصود الأعظم وهو تدبّر التلاوة التي من معانيها العمل بالقرآن، وهو ما فُسر به قوله تعالى:(يتلونه حق تلاوته)، أي يصدّقون بما فيه من أخبار، ويعملون بما فيه من أحكام.

 ولا يتأتّى العمل بالقرآن إلا بعد العلم بمعانيه، ووسيلته الكبرى - بعون الله تعالى - هي التدبر. لهذا قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "اقرأ في ثلاث، فإنّه لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث". (10) أي لا يستطيع تدبره كما ينبغي له.

لذا زجر السلف عن هذِّ القرآن، قال ابن إمّ عبدٍ رضي الله عنه: "لا تهُذُّوا القرآن هذّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند محكمه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكن همّ احدكم آخر السورة". والهذّ الذي زجر عنه ابن مسعود وغيره هو الإسراع الذي يفوق الحدر فيكون كالهذرمة، أما الإسراع الذي لا يحرّف القراءة فلا بأس به ما دام مقيمًا لإحسان القراءة، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في بشارته لأهل القرآن: ".. وإنّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبره كالرجل الشاحب. فيقول له: هل تعرفني ؟ فيقول: ما أعرفك! فيقول: أنا صاحبُك القرآن، الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك، وإنّ كلَّ تاجرٍ من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيُعطى الملك بيمينه، والخُلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كُسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن. ثم يقال له: اقرأ واصعد في دَرَج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ، هذًّا كان، أو ترتيلًا". (11) ولقد كانت قراءة الفضيل كما وصفوها: بطيئة حزينة شهية، رحمنا الله وإياه.

وتزيين الصوت من سنن القراءة فعن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَذِنَ الله لشيء ما أذن لنبيٍّ أن يتغنَّى بالقرآن".(12) وفي رواية: "لِنبيٍّ حسن الصوت بالقرآن يجهر به". وفي رواية: "لِنبيٍّ يتغنّى بالقرآن يجهر به". (13) وعن أبي لبابة بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا". قال عبد الله بن أبي يزيد رحمه الله لابن أبي مليكة: يا أبا محمد؛ أرأيت إن لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسّنه ما استطاع. (14) وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زيّنوا القرآن بأصواتكم". (15) فتزيين الصوت مطلب شرعي ومرضاة للرحمن، وتدبرُ القرآن مقصود التلاوة والسماع، وواهًا لمن جمعهما.

عباد الله؛ إن في نفوس الناس نزعة إلى العجلة والإسراع لقلة صبرها، (خلق الإنسان من عجل)، ولو جاهدناها لأضحت بإذن الله تعالى مطمئنّة للترتيل لا تكاد تسكن إلا إليه. وذلك أن المقصود الأعظم للتلاوة وسماعها هو التدبر، (أفلا يتدبرون القرآن)، ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته). ووسيلة التدبر الترتيل والترسّل والبطء والتأمل في التلاوة. وتأمَّلْ حالك حتى وأنت تنظر للمصحف بلا قراءة ابتغاء تحصيل معنى تقصده وتفتش عنه، فستجد نفسك بلا جهد ولا قصد تترسّل وتبطء وتتدبر.

ولا يعني ذلك أن الحدر ليس فيه تدبّر، بل فيه بحمد الله نزرٌ نافعٌ صالحٌ مبارك، ولكنه ليس كغيث التدبّر حينما تنهمر المعاني بتفجّر ينابيع الآيات مع كرّ النظر تلو النظر، وتدبر العقل بمعول الفكر، وتأمّل النظر ببصيرة العقل، وكل هذا مفتقر لبطء لا عجلة.

والمقصود؛ أنّ الحدر والترتيل مشروعان، ولكن الأصل هو الترتيل بغرض التدبر والعمل. ومن العلماء وغيرهم من كانت له أكثر من ختمة واحدة للترتيل المتدبّر جدّا جدًّا، حتى إنه ربما بقي في الختمة الواحدة بضع سنين يرتل ويتدبر، ويُرجِّع ويَرجِع، ويردد الآية ويدعو ويبتهل، ويجعل لهذه الختمة وردًا خاصًّا يقتطع له أصفى حالات نفسه وأنقى ساعات يومه وأجود أويقات عمره، كما أن له ختمة أخرى يرتلها كعادة الناس، حتى لا يغيب عن تمام القرآن بهجر بعضه. وقد مثل الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى متدبر القرآن المترسل كمُهدي الجوهرة الجميلة الكبيرة، ومثل الحادر بالقرآن بمهدي عدة جواهر صغار، فالترتيل المتدبر كيف، والحدر كم.

 ومتى جاهد المرء نفسه على التدبر تدفقت في قلبه معاني القرآن التي يدهش لبّه من عظمتها وجلالها، فهو كتاب الله تعالى الذي لا يشبع منه العلماء، ولا يخلق من كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وبالله التوفيق.

بارك الله لي ولكم..

.............

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، أما بعد؛ فاتقوا الله عباد الله، واسألوا الله السكينة لقلوبكم، واذكروا الله على الدوام. قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من اللهِ حافظ، لا يقربه شيطان حتى يُصبِح". (16) فكيف يكون حال وسكينة المتقلب نائمًا في فراشه وعين الرحمن ترعاه!

هذا؛ والسكينة -فاعلم - من خصال المؤمنين، قال ابن تيمية رحمه الله: "وكان المسلمون على عهد نبيهم وبعده لا يعرفون وقت الحرب إلا بالسكينة وذكر الله تعالى، قال قيس بن عبادة وهو من كبار التابعين: "كانوا (17) يستحبون خفض الصوت عند الذكر وعند القتال وعند الجنائز". وكذلك سائر الآثار تقتضي أنهم كانت عليهم السكينة في هذه المواطن، مع امتلاء القلوب بذكر الله وإجلاله وإكرامه، كما أن حالهم في الصلاة كذلك. وكان رفع الصوت في هذه المواطن الثلاث عادة أهل الكتاب والأعاجم، ثم قد ابتلى بها كثير من هذه الأمة". (18)

فأهل السكينة أهل ذكر، والملائكة تحبهم وتدعو لهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله عز وجل، تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفّونهم بأجنحتهم (19) إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم - وهو أعلم -: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك. فيقول: كيف لو رأوني؟! قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا. فيقول: فماذا يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصًا ، وأشدّ لها طلبًا، وأعظم فيها رغبة. قال : فممّ يتعوذون؟ قال: يقولون: يتعوذون من النار. قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها. فيقول : كيف لو رأوها؟! قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارًا، وأشدّ لها مخافة.

 قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم". (20) أما ضدهم من أهل الغفلة والمعصية فتحضرهم الشياطين.

وأهل السكينة أهل استقامة وتقوى، ومن كان من أهل الاستقامة فإن الله تعالى يسدّده ويحفظه ويحوطه بالتوفيق والإصابة، ويسدّده حتى بالسكينة الملائكية.

وقد أنزل الله تعالى آيات السكينة في كتابه، والقرآن كله يبعث السكينة في القلب والروح، قال ابن القيم رحمه الله: "وقد ذكر الله سبحانه السكينة في كتابه في ستة مواضع:

الأول: قوله: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ }.

 الثاني: قوله: { ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ }.

 الثالث: قوله تعالى: { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ).

 الرابع: قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }.

الخامس: قوله تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ).

السادس: قوله تعالى: { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } الآية.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة. وسمعته يقول في وقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها -من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة- قال: فلما اشتد عليَّ الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرءوا آيات السكينة قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما بي قَلَبة (21) – أي مرض- وقد جربتُ أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه؛ فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته.

اللهم صل على محمد...

..............

1-    -     بألفاظ عند البخاري (2870) وغيره.

2-        إعلام الموقعين (4 / 201)

3-       مسلم (2699) وقد ذكر لي الشيخ محمد بن سعود الحمد فائدة شريفة استنبطها بتوفيق الله من هذا الحديث الرباني الجليل: قال: "وأرجو أن يكون من ألّف كتابًا فيه ذكرٌ لله تعالى أن يكون ممن وُعدوا بذكر الله تعالى لهم في الملأ الأعلى، لأن الملأ الذي ذكر العبد ربه عندهم قد يكونون حضورًا شهودًا لديه في مجلسه فيسمعونه، وقد يكونون متفرقين في الأمصار يشهدون ذكره لربه في كتابه". وقد أصاب في هذا الاستنباط الشريف بإذن الله تعالى، فإن القلم أحد اللسانين، ويتبع ذلك كل مكتوب برسالة ورقية أو إلكترونية أو في وسائل التواصل الاجتماعي وكل ما كان بهذه المثابة، والله تعالى أعلم.

4-        المرْبدَ والبيدر: الموضع الذي يوُضع فيه التمر حين يُصْرَم ليجف، وهو من رَبَدَه: إذا حبسه، ومنه مِرْبد الأبل، وقيل مِرْبدَ البصرة لأنهم كانوا يحبسون فيه الإبل. ومنه حديث أنس في الصحيحين لمّا ذهب بأخ له ليحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده في مربده يسِمُ شاة في أذنها. وقيل: المربد للتمر والبيدر للحنطة. وانظر: الفائق في غريب الحديث و الأثر (1 / 166) وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (3 / 354) وحسن سنده ابن كثير في تاريخه (6/ 95)عن ابن المسيب عن أبى لبابة بن عبد المنذر الأنصارى قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: «اللهم اسقنا اللهم اسقنا». فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، قال: وما في السماء سحاب نراه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانًا يسد ثعلب مربده بإزاره». قال: فاستهلت السماء فأمطرت وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم طافت الأنصار بأبي لبابة يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء والله لن تقلع أبدًا حتى تقوم عريانًا فتسدّ ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فقام أبو لبابة عريانًا فسد ثعلب مربده بإزاره، قال فأقلعت السماء". قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث: (3 / 96) المربد: هو الذي يجعل فيه التمر عند الجذاذ قبل أن يدخل إلى المدينة ويصير في الأوعية. وثعلبه: هو جحره الذي يسيل منه ماء المطر، أي أصاب التمر.

5-       وقال الحافظ في فتح الباري (9 / 64): "وفي رواية أبي بن كعب المذكورة أنه كان يقرأ على ظهر بيته وهذا مغاير للقصة التي فيها أنه كان في مربده، وفي حديث الباب أن ابنه كان إلى جانبه وفرسه مربوطة فخشي أن تطأه، وهذا كله مخالف لكونه كان حينئذ على ظهر البيت إلا أن يراد بظهر البيت خارجه لا أعلاه فتتحد القصتان".

6-       مسلم (796) وللفظ له، وعلقه البخاري (5018) بصيغة الجزم.

7-       أسباب رفع العقوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (1 / 47)

8-       البخاري (3614) ومسلم (795)

9-                       عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24 / 182) باختصار.

10-                                       البخاري (3/51) ومسلم (3/ 163)

11-                                      مسند أحمد (22950) وقال محققوه: إسناده حسن في المتابعات والشواهد من أجل بشير بن المهاجر الغنوي، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين، وحسنه الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/62) ولبعضه شواهد يصح بها. وأخرجه والدارمي (3391) وحسنه محققه الشيخ حسين سليم أسد.

12-                                      يقال: أذن إلى الشيء وللشيء، يأذن أذَنًا، أي استمع له. والتغنّي: تزيين الصوت بالقراءة والتحبير.

13-                                      البخاري (6/235 ، 9/173) ومسلم ( 2/2192)

14-                                      أبو داود (1471) وجوّد سنده النووي في الرياض (1 / 498)

15-                                        النسائي (1015) وصححه الألباني.

16-                                       البخاري (5010،3275،2311) تعليقًا بصيغة الجزم.

17-                                       أي الصحابة رضي الله عنهم.

18-                                       اقتضاء الصراط (1 / 119)

19-                                       جاء في فضل أهل العلم أن الملائكة تضع أجنحتها تواضعًا لهم وإجلالًا، وتحفّهم حراسة لهم وحفظًا بأمر الله تعالى.

20-                                       البخاري 8/107 (6408)، ومسلم 8/68 (2689) (25)

21-                                  القَلَبة: المرض. وأصله داء يكون بالإبل فاستعمل في كل داء. وفي حديث اللديغ: "فَانْطَلق يتفُل عَلَيْهِ وَيقْرَأ: { الْحَمد لله رب الْعَالمين } فَكَأَنَّمَا نشط من عقال، فَانْطَلق يمشي وَمَا بِهِ قَلبَة". وانظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2 / 184)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق