إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 16 مايو 2022

قصة بناء الكعبة

 

قصة بناء الكعبة

 

الحمد لله، الحمد لله بلُطفه تنكشِف الشدائد، وبالتوكُّل عليه يندفعُ كيدُ كل كائِد، أحمده - سبحانه - وأشكرُه وأسألُه المزيدَ من فضلِه وكرمِه، فبفضلِه ولُطفِه تتواصَلُ النِّعمُ وجميعُ العوائِد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له في كل شيءٍ آيةٌ تدلُّ على أنه الواحد، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيارٌ من خيارٍ كريمُ الأصل سيلُ الأماجِد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادة الطيبين الطاهرين أهل المكارِم والمحامِد، وعلى أصحابِه الغُرِّ الميامين انعقَدَت على فضلِهم المعاقِد، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ من كل عابِد، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فليس أطيبَ من العافية، ولا أغنى من القناعة، ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].

الدنيا دارُ عملٍ لا دارُ كسل، ويوم تقومُ الساعةُ لا فوزَ إلا بالطاعة، ومن كان له من نفسِه واعِظ كان له من الله حافِظ، ومن أصلحَ أمرَ آخرتِه صلُح له أمرُ دُنياه، والناسُ لن يُعطُوك أو ينفعوك إلا بما قُدِّر لك، ولن يضرُّوك أو يمنعُوك إلا بما قُضِيَ عليك، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

أيها المسلمون: هلموا إلى خبر جميل وقصة جليلة ذات عبر وإيُّمَا عبر، إنه خبر آل إبراهيم عليه السلام، فإنّ من أعظم خَلْقِ الله رضًا بالله خليل الرحمن عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام والبركات، فهو بحق أنموذج كامل للرضا بالله تعالى بعد نبينا محمد صلى الله عليهما وسلم، ومن تأمل سيرته الشريفة وما مرّ به من أهوال تتضعضع دون بعضها أعظم قلوب الرجال، ويتقاصر دونها صبرهم، ويبعُد رضاهم، وينزوي حمدهم؛ نراه في ذلك كله بحرًا واسعًا ساكنًا تذوب فيه كل بليّة، وتذوي فيه كل عاصفة، وينكسر أمام عظمة دينه وإيمانه وتقواه كلّ شيطان مريد. فنبيُّ الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أوذي في الله فصبر، فجمع له قومه ذلك الوادي العظيم من النار، حتى إذا تأجّج ذلك الوادي بناره، واصطلى بجحيمه وسعيره، أُلقي عليه الصلاة والسلام، حتى إذا صار مقبلًا على ذلك البلاء العظيم، مسلّمًا لله عز وجل فيما ابتلاه، فلما قدم قال له جبريل: هل لك من حاجة؟

ذلك المَلَك الذي لو أذن الله له لخسف الأرض ومن عليها بجناحه، قال: يا إبراهيم؛ هل لك من حاجة؟ قال: "أما إليك فلا، وأما إلى الله، فحسبي الله ونعم الوكيل"، فقال الله تعالى: { يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء:69] قال بعض العلماء: "لو قال الله يا نار كوني برْدًا لأهلكته من بردها، ولو لم يخصص إبراهيم بذلك ما انتفع أحد بحرّ نار بعدها". ولكن قال: { كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }. [الأنبياء:69]

 ثم خرج عليه الصلاة والسلام طريدًا عن قومه، مهانًا من عشيرته، وحيدًا لا مال لا بنون لا إخوة لا أصحاب لا أحباب، فخرج من داره مؤذًى في الله مضطهدًا، فلما ولّى وجهه قال عليه الصلاة والسلام: { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } [الصافات:99-100] فخرج من دار فعوّضه الله أطهر من الدار التي خرج منها، عوّضه الله الأرض المقدّسة، وجعل ذريته ذرية النبوة والصلاح، وجعل فيها ميراث الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك باليقين بالله. فكل إنسان أصابته مصيبة فعلم أنه لا ينجيه منها إلا الله عز وجل فرَّج الله همّه وغمّه.

 عباد الله، وهذا سياق الخبر العظيم: فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أوّلُ ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقًا (1) لتُعفي أثرها على سارة، ثُمَّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثُمَّ قفّى (2) إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم؛ أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها (3) فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا (4).

فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عند الثنيّة (5) حيث لا يرونه (6)؛ استقبل بوجهه البيت (7) ثمَّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه، فقال: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).

وجعلت أم إسماعيل تُرضع إسماعيلَ، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها (8)، وجعلت تنظر إليه يتلوّى (9)، أو قال: يتلبّط. (10) فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثُمَّ استقبلت الوادي، تنظر هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرَف دِرْعَها (11)، ثُمَّ سعت سعي الإنسان المجهود (12)، حتى جاوزت الوادي، ثُمَّ أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فذلك سعي الناس بينهما"، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه - تريد نفسها - ثُمَّ تسمّعت فسمعت أيضًا فقالت: قد أسمعتَ إن كان عندك غواث (13). فإذا هي بالمَلَك (14) عند موضع زمزم، فبحث بعَقِبِه، أو قال: بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، (15)  وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لولم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينًا مَعِينًا". (16) قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملَك: لا تخافوا الضَّيْعة، (17) فإن هاهنا بيت الله، يَبنِيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يُضَيِّعُ أهله. وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية (18)، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرَّتْ بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كَدَاء، (19) فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرًا عائِفًا (20)، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء؛ لَعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء! فأرسلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّيْن (21)، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا، قال: وأُمُّ إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ (22) فقالت: نعم، ولكن لا حقَّ لكم في الماء (23) قالوا: نعم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحب الأُنْس"، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلامُ (24)، وتعلّم العربيَّة منهم، وأنفَسَهم (25) وأعجبهم حين شبَّ، فلما أدرك زوّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل، يطالع تَرِكَتَهُ (26)، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا (27). ثُمَّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرٍّ، نحن في ضيق وشدّة، فشكت إليه. (28)

قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغيّرُ عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنسَ شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا شيخ، كذا وكذا، فسألَنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدّة، قال: فهل أوصاك بشيء (29)؟ قالت: نعم ؛أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيّر عتبةَ بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلّقها، وتزوج منهم أخرى.

 فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثُمَّ أتاهم بعْدُ، فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، قال : كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله (30). فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذٍ حبّ (31)، ولو كان لهم دعا لهم فيه"، قال: "فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلاَّ لم يوافقاه". (32) قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يثبّت عتبة (33) بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه (34)، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وأنت العَتَبَة، أمرني أن أمسكك.

 ثُمَّ لبث عنهم ما شاء الله. ثُمَّ جاء بعد ذلك، وإسماعيل يبري نبلًا له تحت دوحة (35) قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد، ثُمَّ قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتًا، وأشار إلى أَكَمَة مرتفعة على ما حولها (36)، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر (37)، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }. قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )". رواه البخاري (38)

بارك الله لي ولكم..

..................

1.                    المِنْطَق: النِطاق، وجمعُه: مَناطِقُ. وهو أن تَلْبَسَ المرأةُ ثوبَها، ثم تَشُدّ وَسَطها بشيء، وتَرْفَع وسَط ثوبها وتُرْسِله على الأسفل عند مُعاناة الأشغال لئلا تَعْثُرَ في ذَيْلها. وبه سُمِّيَت أسماء بنت أبي بكر ذاتَ النِّطاقَين، لأنها كانت تُطارق نِطاقًا فوق نِطاق. وقيل: كان لها نِطاقان تَلْبَس أحدَهما وتَحْمِل في الآخر الزادَ إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وهما في الغار. وقيل: شَقَّت نِطاقَها نصفين، فاستَعملت أحدَهما، وجعلَتِ الآخر شِدادًا لِزادِهما. وفي حديث عائشة: "فَعَمَدْن إلى حُجَزِ مَناطِقِهِنّ فَشَقَقْنَهَا واخْتَمَرْن بها". النهاية في غريب الأثر (5 / 166)

2.                    أي: أدبر، وولّى لهم قفاه.

3.                    وتأمل صعوبة الموقف وشدته وثقله على قلبه لولا أنه كان مطمئنًّا بربه الذي أمره، راضيًا كل الرضا به، واثقًا تمام الثقة به، عليه السلام، لذلك مدحه ربه تبارك وتعالى بأنه أتمّ كلمات الله عليه فصيّره إمامًا للعالمين: (وإذ ابتلى أبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما).

4.                    وصدقت هذه الوليّة التّقيّة المؤمنة البارّة الرّاشدة، فالله لا يضيع أولياءه ولا يخلف وعده، ومن كان مع الله كان الله معه، ومن كان الله معه فلا ضيعة عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لمّا كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان؛ خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، ومعهم شَنّة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنّة فيدرّ لبنُها على صبيّها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله. قالت: رضيتُ بالله». رواه البخاري (3365) وفي رواية: "قالت: رضيتُ بالله، ثُمَّ رجعت". والشَّنّة: القربة الصغيرة. فلما رضيت بالله أرضاها الله في الدنيا بالأمن والرزق وبرّ الولد النبي الصالح، وفي الآخرة رضوان الله والجنة، (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).

5.                    الثنيّة: الطريق في العقبة، وقيل: هو المرتفع من الأرض فيها.

6.                    إمعانًا في الإخلاص، كذلك لم يردها أن تراه يدعو لهما حتى لا ينقطع تعلقها التام بالله وحده، فإنها لمّا قطعت حبال الخليقة وتعلقت بمولاها؛ ظهر إخلاصها لربها وتوحيدها وإيمانها وثقتها ورضاها.

7.                    وفيه استحباب استقبال القبلة عند الدعاء، وكان نبيّنا صلى الله عليه وسلم يفعله كما عند مسلم (1763) من حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم في غزوة بدر: فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدّ يديه، فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني"، وكما في حديث ابن بن عمر رضي الله عنهما في صفة حجته عليه الصلاة والسلام: "أنه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات، يكبّر مع كل حصاة، ثم يتقدم فيقوم مستقبلًا القبلة قيامًا طويلًا فيدعو ويرفع يديه"، رواه ابن حبان في صحيحه (3887) قال شعيب الأرناؤوط رحمه الله: حديث صحيح إسناده قوي.

8.                    لجفاف ثدييها لما عطشت.

9.                    وهو موقف شديد جدًّا على الأمهات لِمَا جبلهن الله تعالى من عظيم الرحمة والشفقة بأولادهنّ.

10.                    التلبّط: الاضطراب والتقلّب ظهرًا لبطن.

11.                    أي: ثوبها.

12.                    أي: أجهدت نفسها في السعي مخافة تلف ابنها جوعًا وعطشًا، فبذلت السبب وقلبها معلّق بالمُسبِّب تبارك وتعالى.

13.                    فطلب الغوث من المخلوق الحاضر القادر جائز، ومن ذلك: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه). أما الشرك الوخيم والذنب العظيم فهو الاستغاثة بمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق جل جلاله، أو بمخلوق غائب، كمن يستغيثون بأهل القبور أو الجن أو الغائبين، ولا يعلم الغيب إلا الله. وهذا شرك ناقل عن ملّة الإسلام، والمشرك مخلّد في الجحيم، حرام عليه جنة النعيم، قال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، وقال سبحانه: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).

14.                    هو أمين الوحي وسيّد الملائكة جبريل عليه السلام.

15.                    تحوضه: أي تجعل له حوضًا يجتمع فيه الماء.

16.                    المَعِين: الماء الظاهر الجاري الذي لا يتعذّر أخذه.

17.                    الضيعة: الضياع والحاجة.

18.                    الرابية: المرتفع من الأرض.

19.                    ثمّ ثلاثة أماكن في مكة في أسمائها تشابه، كَدَاء في أعلاها (الحَجُون حاليًّا)، وكُدَى في أسفلها جهة المدينة (الشبيكة حاليًّا)، وكُدَي – بالياء- أسفل مكة من جهة اليمن، وفيها حاليًّا مواقف سيارات كُدَي.

فكَدَاء، بالفتح والمدّ: الثنيّة من أعلى مكة مما يلي المقابر، وكُدَى بالضم والقصر: من أسفلها مما يلي باب العمرة، وكُدَي بالياء من أسفلها جنوبًا.

20.                    أي يدور في السماء حول شيء في الأرض.

21.                    أي الأجير أو الوكيل، وسمّي به لأنه يجري مجرى موكله.

22.                    وهذا من أدبهم وحسن شيمتهم وعفافهم، فهي امرأة وحيدة في صحراء خالية.

23.                    أي: إلا بإذني.

24.                    أي: إسماعيل صادق الوعد الرسول النبي عليه السلام.

25.                    من النفاسة وهي السبق إلى الطيب والخير. والمراد: صار عندهم نفيسًا مرغوبًا فيه.

26.                    أي: أهله الذين تركهم في مكة.

27.                    أي: يجلب لهم ما يصلحهم من طعام ونحوه.

28.                    فلم ترض بقضاء الله تعالى لهم، ولم تثن على الله تعالى خيرًا، ولم تحمده، وزادت فشكت الحال إلى إبراهيم عليه السلام.

وَإِذَا شَكَوْتَ إِلَى ابْنِ آدَمَ إِنَّمَا  ...  تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لَا يَرحَمُ

وسلام الله على يعقوب إذ قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله).

29.                    وهذا من فطنته عليه السلام.

30.                    تأمل الفارق بين المرأتين، فمع اتحاد العيش إلا أن قلب الثانية راض بالله تعالى مسرور به، قانعٌ مكتف بالبلغة من هذه الدنيا. ومن سرور ابن آدم زوجٌ صالح، فعن عبد اللَّه بن عمرٍو رضي الله عنه أن رسول اللَّهِ ﷺ قال: "الدُّنيا مَتاعٌ، وخَيرُ مَتاعِ الدُّنيا المَرأةُ الصّالِحَةُ". رواه مسلم (١٤٦٧)، والمرأة الصّالحة: هي الصالحة في دينها، ونفسها، والمُصلِحَةُ لحال زوجها. وهذا كما قال في الحديث الآخر: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء"؟ قالوا: بلى. قال: "المرأة الصالحة؛ التي إذا نظر إليها سرّته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته". رواه أبو داود (١٦٦٤)، والحاكم (١/ ٤٠٨)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وصحح إسناده العراقي في تخريج الأحياء (٢/ ٣٦) وضعّفه الألباني في الضعيفة (١٣١٩).

31.                    أي: زراعة.

32.                    دعا عليه السلام لأهل مكة بالبركة في اللحم والماء، فكانوا يقتصرون عليهما دون أن يتضرّروا منهما، وأصبح ذلك خاصًّا بمكة دون غيرها من البلاد، فإنه لا يقتصر أهل بلد عليهما إلاّ تضرر منهما. وعليه؛ فلو اقتصر أهل مكة على اللحم والماء كفاهم، وأما غيرهم فلا. والمقصود: أن المداومة عليهما لا يوافق الأمزجة إلا بمكة، وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء إبراهيم عليه السلام، لذلك دعا نبيّنا صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة في الزرع والكيل والوزن صلى الله عليه وسلم.

33.                    وكانوا يسمّون العتبة الأُسكفّة. وقد استفاد أهل التعبير من هذا أن العتبة في المنام هي الزوجة.

34.                    فأثنت عليه خيرًا في غيابه، وهذا من حسن خلقها وطيب معدنها.

35.                    الدوحة: الشجرة الكبيرة.

36.                    الأكَمَة: ما ارتفع من الأرض كالرابية.

37.                    وهو مقام إبراهيم عليه السلام، قال أبو طالب في لاميّته:

وموطئُ إبراهيم في الصخر رطبة   ...  على قدميه حافيًا غير ناعلِ

38.                    البخاري (٣٣٦٤)، (٣٣٦٥)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق